الأربعاء، 20 يناير 2016

كلب ساحل سليم .... بقلم الجنرال

قصة غريبة و نادرة عشتها عن قرب و كنت شاهد عليها في منصف السبعينات بطلها مجرد "كلب" كلب بسيط..شعبي..غلبان..ينتمي الي جنس الكلب البلدي...إبان عملي بمدرية امن اسيوط..كان بكل مركز شرطة مشروع سمي بالقوة المجمعة...هذا المشروع أنشأ بعد الغاء نظام دوريات السواري "الخيل" في نهاية الستينات...كان تطور كبير في مجال الامن العام...أصبح بكل مركز شرطة قوة من المجندين تعدادها حوالي 80 مجدند مسلحين بالبنادق الآلية لمواكبة اسلوب مواجهه الجريمة و العصابات التي لم يعد يجدي معها دوريات السواري التقليدية التي لم يبقي منها الا بعض اللقطات السينامائية لافلام قديمة شاهدة على عصر ولى و انتهي...
كان هؤلاء المجندين يعيشون إعاشة دائمة داخل عنبر كبير ملاصق لمركز الشرطة..يشرف عليهم و يتولي تدريبهم إثنين من أكفأ ظباط المركز..حتي اصبحت تلك القوات هي القوة الضاربة الرئيسية للمركز...يعتمد عليها في المأموريات و مواجههة الخارجيين علي القانون.
لاحظ الجميع وجود كلب صغير (جرو) يعيش بالقرب من عنبر الجنود..كان يعيش على بقايا طعام الجنود... و بعد شهور قليلة اصبح الجرو كلب قوي يتمتع بصحة و لياقة عالية...
كان يصاحب الجنود في تدريباتهم اليومية الصباحية.. لم يرتبط بجندي او شرطي او ضابط معين...كأنه انضم الي قوة المركز...مان يحفظ كل العاملين بالمركز عن ظهر قلب..و في فترة لاحقة وجدناه يصاحب القوات في كل المأموريات الأمنية...كان يستشعر قيامنا بالمأموريات و بمجرد الاعداد و تجهيز السيارات..كان يبادر بصعود السيارات مع المجندين و القوات المقلة للقوات دون اي دعوة من أحد...كان يرفض تماماً مغادرتها و يصمم على مصاحبة القوات...كان له دور بارز في مطاردة المجرمين و الخارجين علي القانون..كان لديه قدرة هائلة على التعرف على الهدف الذي نتبعه و يلهث ورائه...كان يتخطانا جميعاً و يمسك بتلابيب اي خارج عن القانون..
كان واثق من قدراته و يستشعر قوته..خادم مخلص و مطيع...كثيرا ما ساعدني شخصياً في لحظات عصيبة..فأجده بجانبي..يذود عني بجسارة و وفاء نادر...أذكر في احد الايام انه القي بنفسه في النيل و مكننا من القبض علي مجرم خطير و ضبط سلاحه...كان اداءه يتطور بصورة مذهلة...شكله و هيئته تغيروا بشكل ملفت للنظر...اصبح كلب بوليسي حقيقي كامل الاوصاف..
عرفه اهالي و جيران مركز الشرطة و تعودوا ان بروه نائم امام المركز..كما تعود سائقي السياؤات السيارات المارة ان يهدؤا و يقفوا و يطلقوا الات التنبيه حتي يستيقظ الكلب و ينتبه ثم يسير بهدوء و كبرياء و يفسح لهم الطريق ثم يعود و ينام مرة أخرى...للاسف كانت عادة غريبة و سيئة، ففي احد الايام جاءت سيارة مسرعة يقودها شخص غريب لا يعرف سلوكيات هذا الكلب و اصطدم به و احدث به اصابات بالغة..حاول الجنود انقاذه فأدخلوه عنبرهم ثم استدعوا الطبيب البيطري الذي بذل جهدا كبيرا دون جدوي..و بعد عدة ايام نفق الكلب..الذي لم يكن له اسم..قام المجندين من تلقاء نفسهم بعمل حفرة بحديقة المركز حيث دفن تكريماً له.
هذه القصة حدثت سنة 1976 بمركز شرطة ساحل سليم بأسيوط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق