الخميس، 21 يناير 2016

أم دلال الخيّاطة…من مذكرات شابة بالأربعين ….الجزء السابع



في كُلِّ مَرَّةٍ كُنتُ أَطلُبُ مِن أُمِّي أنْ تَدَعَني وَشأني, في الحياة أشياءُ مُهمَّةٌ كالزواج, الزواجُ ليسَ كلَّ شيءٍ… إلّا أنّها سرعان ما كانَتْ تَضرِبُ بكلامي عرضَ الحائِط, كُنْتُ أَعذرها في تفكيرها وفي الوقت نفسِه لم أَكُنْ أُقْنِعُها بذلكَ، وبالأخير كلٌّ مِنّا بطريقة.
أمُّ دلال الخياطّة: إيه رأيك يا أمُّ جميلة بالعريس دا؟
أمّي: من هذا يا أمّ دلال؟
أمّ دلال الخيّاطة: إنة  دكتور أطفال أدِّ الدنيا، شغّال في دولة عربية , أمّه زبونة عندي من زمان, بدوَّرْ لابنها على عروسة، والصراحة قلت جميلة بنتك أولى، عريس حلو وميترفضش, وجميلة بنت حلال تستاهل كلّ خير
أمّي: الله يكرمك يا أختي, هقولَّها، لعلَّ وعسى ربّنا يهديها وتوافق، خلِّينا نفرح بقى.
-جميلة هو أنتِ لازم تكمّلي دراسة؟ كلّه كلام فاضي يا بنتي، الزواج سُترة. …أمّي في حوار ناعم هادئ
أدركتُ طبعًا أنَّ هناكَ عريسًا: اممم… خِير يا ماما؟
أمّي: ما رأيك بهذه الصورة ؟؟ بكلّ استغراب: من هذا؟
أمّي:كما ترين ، راجل محترم وابن حلال، أهو قدّامك.
أنا بكل تعجب : بجدّ كلّ دا في الصورة, تعرفيه يعني يا ماما ؟
أمّي: لا… هعرفه منين؟؟ دا دكتور أطفال وعاوز عروسة, والله يكرمها خالتك أمّ دلال جابتلك الصورة
اممم جميل
أمّي: طالما عجبك عاوز يشوف صورتك هو كمان؟! أنظُرُ لأمّي باستغراب: صورته
أأها… ماما افهميني شويّه… أنا مُش حابّة الطريقة دي في اعتبارات تانيه أهمّ من الصور
.
أمّي ثائرة: إنتِ يا بتّ مَعندكيش دم, هو لسه حدّ بيتقدّم والكلام دا, الجواز اليومين دوول بقى كلّه كدا… خطف يا حبيبتي ال تلحقيه تخطفيه , أديكِ شُفتي صورته وهتكلِّميه على الإنترنت وتتعرّفوا براحتكم, هو مُش هينزل علشان خاطرك مخصوص
.
أمّي تُكمِلُ حديثَها: سيأتي مصر لخطبتك ويعود لعمله وستسافرين عروسًا له، ما رأيك؟
لا أوافق لازم اعرفه جيدا وادرس اخلاقه

أمّي وقد ثارَتْ: بَطَّلِي غباء بقى, كلّ اللي في سنّك اتجوّزوا وبقى معاهم عيال, أنتِ مُخّك شغّال أصلًا؟؟ أنتِ عندك قلب ومشاعر زي الناس الطبيعيّة؟؟ بلا اعتبارات بلا كلام فاضي، خلِّينا نفرَح زي الناس
. نعم!!! عاوزنى اتجوز بالطريقه دى!!! ايه الغرابه دي.
أمّي: ما غريب إلّا الشيطان يا أختي, أنتِ الغريبة, عمرك ما هتتجوِّزي وأنتِ بتفكّري بالطريقة دي, طول ما أنتِ معقّدة كده.
أُحاوِلُ إرضاء أمّي معَ أنَّ كلامها وجعني: متزعليش يا ماما, أمّا يِنزل مصر ييجي يتقدّم وأشوفه!!
وتغيَّرَتْ نبرة أمّي الحادّة وأصبَحتْ أكثرَ هُدُوءًا واقترَبتْ مِنِّي حانية: هوَّ في حاجة أنا معرفهاش يا جميلة؟؟ ليه رافضة الجواز؟ كلّ اللي في سنّك هيموتوا ويتجوِّزوا إلّا أنتِ؟
أنا سعيدة فِعلًا مِن غير جواز, الجواز مُش كلّ حاجة, الحياة فيها حاجات مُهمّة كتير زي الجواز.
أمّي: بَطَّلِي فلسفة خايبه بقى وشوفي مصلحتك, الجواز نص الدين, وخطوة مُهمَّة في حياة أيِّ عاقل
ماما الجواز دا شكليّات, وبصراحة الموضوع بالنسبة لي كماليّات.
أمِّي في استغراب: كماليّات؟! إيه الكلام الفاضي دا؟؟ أنتِ بلهاء غبيّة
.
أضحَكُ لأمّي وأُقَبِّلُ يَدَيْها التي لطالما حنتْ عليّ دائمًا, ماما أنا (21) سنة, ليه بتتكَلِّمي وكأن القَطْر فاتني كده؟! أنا بس في انتظار الراجل المناسب اللي يغيَّر تفكيري… رجل أَتغيَّر من اجله , الحياة مُش رجل وفتى أحلام.

وأَعْتَقِدُ أنَّ المَوضُوعَ انْتَهى هُنا؛ لأنّه في اعتبارات كثيرة غير صورته وأكلّمه على الإنترنت إنّه زواج، قرار أبدي وأمّ دلال وافقتني الرأي.
……………………………….
بالنِّسبة لأمّ دلال الخيّاطة فقد كان لها تَجرِبةٌ مَعَ الزواج… الجميع يَعرِفُ ابنتها دلال ولكنْ ما سَمِعَ أحدٌ مِن قَبل عَن أبي دلال, منذ ما يقرب مِن الثلاثين عامًا كانَتْ أمُّ دلال بنْتًا شابَّةً جميلةً يافِعَةً تَتمتَّعُ بالأُنُوثة والحَيويَّةِ، أَحَبَّتْ شابًّا واعْتَبَرَتْ نفسها محظوظة؛ لأنّها فازَتْ بِحُبِّها, ولم يَمُرَّ سوى أُسبوع على زواجها منه.
حقيقة أمِّ دلال كانَتْ صريحة وواضحة معي في إجاباتها، الحُبُّ لا يُعَوَّضُ خاصّةً إذا أَحْبَبْتَ بِصِدق, وقد عَلِمَتْ أنّ زوجها السابق تزوَّجَ عليها إلّا أنّها ما زالَتْ على عهدِها له قائِلةً: صعب أنْ تسترِدَّ قلبَكَ مِن شخصٍ أَهْدَيْتَهُ إيّاه، هذا هو الحُبُّ، غباءٌ مِن لا شيء على حَدِّ وَصْفِها, الهديَّةُ لا تُرَدُّ ولا تُسْتَبْدَلُ .
فاسْتَقَرَّتْ في هذه البلدة وتعلَّمَتِ الخيّاطة وعَلِمَتْ أنّها حامِلٌ بعدَ أنِ استقرَّتْ ومَعَ ذلك لم تستَطِعِ التخلُّصَ مِن الجَنين، ولم تَكُنْ قد أَخْبَرَتْ جيرانَها بأمْرِ زواجها فسرعان ما انْتَشَرَتِ الشائعاتُ إلى أنْ عَلِمَ الجميعُ حقيقةَ هُرُوبها واحْتَضَنَها الجميعُ واحْتَرَمَ كِفاحَها فعاشَتْ كأهل البلد وَرَبَّتِ ابْنَتَها دلال ورَفَضَتْ تَزويجها.
لم أسْمَعْ أنّها تَطَلَّقَتْ، فلم تذكُرْ شَيئًا عن زوجها السابق كما رَفَضَتِ الزواج أيضًا مُعَلِّلَةً أيضًا أنَّ الخيّاطَةَ لا تَصْلُحُ زوجَةً, ومعَ ذلك كانَتْ خاطِبَةً وتَتكلَّمُ عنِ الحُبِّ والحَياة والأُسرة, لماذا تُوجَدُ فجوةٌ دائِمًا بينَ ما نُريدُه وما يتحقَّقُ فِعلًا؟ لماذا يُسَيْطِرُ عَلَيْنا الخوفُ مِن خَوْضِ تَجرِبَةٍ ثانية؟ هل نخشى الفشل؟ لا أدري.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق