الجمعة، 12 مايو 2017

ابن كفر الشيخ الأستاذ الدكتور كامل منصور نيروز

لأستاذ الدكتور كامل منصور نيروز ( مؤسس كلية العلوم بجامعة عين شمس وأول عميد لها عام 1950 والذى حصل على درجة دكتوراه العلوم D . S . C من جامعة لندن عام 1937 وكان بذلك أول مصرى يحصل على هذه الدرجة العلمية الرفيعة فى مجال العلوم البيولوجية )

ولد فى 11ي
ناير 1898 بقرية كفر الخير التابعة لقرية محلة دياى وتنقل فى التعليم الإبتدائى والثانوى بين مدينتى طنطا والإسكندرية ثم حصل على دبلوم مدرسة الزراعة العليا بالجيزة عام 1921 ثم سافر إلى إنجلترا وحصل على دبلوم الكلية الإمبراطورية سنة 1925 .

ثم عمل مدرسً لعلم الحيوان بالجامعة المصرية ثم عاد إلى إنجلترا حيث حصل على دكتوراع الفلسفة فى علم الحيوان سنة 1935 من جامعة لندم ثم دكتوراه العلوم من جامعة لندن أيضاً عام 1937 .

تدرج فى الوظائف من مدرس علم الحيوان بكلية العلوم بالجامعة المصرية فكان أول أستاذاً مصرياً درس علم الحيوان بعد الأساتذة الإنجليز وكذلك أول من طبق علم الحيوان وتصنيفاته على الحيوانات المصرية كما رسم أول خطة شاملة لدراسة علم الحيوان فى مصر والمفصليات ، أدخل تطورات على نظام الدراسات العليا وأصبحت درجة الماجستير تضم تمنح على الدراسة النظرية والبحث بعد أن كانت تمنح على البحث فقط .

ساهم فى إنشاء كلية العلوم بجامعة عين شمس ( إبراهيم سابقاً ) وكان أول عميداً لها من عام 1950 حتى عام 1954 ، وتدرج من مدرس علم الحيوان بكلية العلوم بجامعة القاهرة ثم رئيس قسم علم الحيوات بكلية علوم عين شمس ثم أول عميد لها كما ذكرنا .
شارك سيادته فى العديد من المؤتمرات الدولية ممثلاً للجامعات المصرية أولها المؤتمر الدولى لعلم الحشرات بمدريد بأسبانيا 1935 والمؤتمر الدولى لعلم الحيوان بلشبونة بالبرتغال سمة 1935 والمؤتمر الدولى لعلم الحيوان فى باريس بفرنسا سنة 1948 وكذلك المؤتمر الدولى لعلم الحيوان بكوبنهاجن بالدنمارك سنة 1953 كما أنه مثل مصر فى الجمعية العمومية لهيئة الصحة العالمية فى بيروت بلبنان عام 1948

أختير عضواً بالجمعية العامة لإرتياد البحر الأحمر لإختيار موقع تأسيس محطة للأحياء البحرية التى أنشأها فى الغردقة 1929 كما أختير أيضاً ضمن البعثة العلمية الموفودة من الحكومة المصرية إلى دول شمال أوربا لدراسة نظم التعليم بها لتطبيق أفضلها سنة 1954 .

منح جائزة فاروق الأول لعلوم الحياة سنة 1950 وكذلك منحه درجة الباكوية كما رشحته أكادمية البحث العلمى والتكنولوجيا لنيل جائزة الدولة التقديرية فى العلوم وحصل عليها سنة 1980 وكذلك حصل على وسام الإستحقاق من الطبقة الأولى سنة 1981 من الرئيس السابق محمد أنور السادات .

عاش حياته عضواً بالعديد من الجمعيات والهيئات العلمية المحلية والدولية فهو من الأعضاء المؤسسين للمجمع المصرى للثقافة العلمية سنة 1929 وظل عضوا به حتى وفاته عام 1986 ، ورئيساً وعضواً بالأكادمية المصرية للعلوم التى أسسها هو وعشرة معه من كبار الأساتذة والعلماء مثل على باشا إبراهيم ، على مصطفى مشرفة ، على إبراهيم ، وغيرهم من الرواد الأوائل للعلوم فى مصر عام 1945 .

وكان له شرف الإشراف على المجلد العلمى السنوى الذى تصدره الأكادمية باللغتين العربية والإنجليزية منذ تأسيسها حتى وفاته ، وكذلك عضوا بالمجمع المصرى العلمى وعضو بالمجالس القومية المتخصصة ( شعبة التعليم الجامعى ) وكذلك عضواً بالإتحاد العلمى المصرى والإتحاد العلمى العربى وأكادمية البحث العلمى والتكنولوجيا .

وظل يعمل أستاذاً غير متفرغ بالجامعات المصرية منذ إحالته إلى المعاش عام 1958 وحتى وفاته ، هذا خلاف أبحاثه الشخصية فى مجالات علم الحيوان وإشرافه على منح درجات الماجستير والدكتوراه للكثير من الطلاب المصريين والذين أصبح أغلبهم من أساتذة وعلماء الجامعات المصرية الآن .. 
ثم توفى يوم 21/11/1986 عن عمر يناهز الثمانية والثمانين عاماً قضى أغلبها فى خدمة العلم والتعليم بالجامعات المصرية والمجتمعات العلمية .

الأربعاء، 10 مايو 2017

نسر الصحراء الجزء الثانى.


نعود لحكاية الحاج محمد العرمان ...نسر الصحراء ..كان استقباله لى ولزميلى الضابط محمود ..ودود ...وبسيط ...ولائق ..كان فى حوالى الستين من عمره ..الا ان مظهره يوحى بأكثر من هذا ..فوجهه ملفوح بأشعة الشمس ..كان حديثه جميل ..صوته خفيض لكنه واضح ..لديه ثقافه صحراويه من نوع خاص ...حدثنى عن علم السير ليلا استرشادا بحركات النجوم ...كان يقرأ بالنجوم ساعة ضبط الوقت ...ويعرف كل الاتجاهات ...يقول ...اسفل النجم الفلانى تقع مدينة الاسكندريه ...ويتحدث عن الاسكندريه كما لو كانت امامه كتابا مفتوحا ...ويشاور بيديه باتجاه مدينتى العريش وغزه ...يحفظ عن ظهر قلب جغرافيا العالم من حوله بمجرد نظره للنجوم .. دروب الصحراء يعرفها جميعا كما لو كان يراها ويحفظها عن ظهر قلب ...اصطحبنى الى مجموعة الجمال والابل التى يقتنيها ...كانت تجلس بحظيرته بالقرب منه ....عرفنى بهم كما لو كانت اولاده ...وعندما جاء دور معشوقته التى يجوب بها بحور الصحراء ..على حد قوله... قال ...انها تفهم ما اريده دون ان اقول لها شىء ...تتحمل رحلاتى الشاقه الطويله ..والظروف الصعبه و العطش والشمس ....حدثنى عن علم الانساب ..وأصل القبائل العربيه الموجوده بمصر ..وعلوم الفراسه وتقصى الاثر ...كان الرجل وبحق موسوعه ناطقه ومتحركه ...عرفنى بأولاده الشباب ..كانوا اربعه على ما اذكر ...إلا انه عندما قدم صغيرهم ..وكان على ما اذكر اسمه احمد ... كان صبى لا يذيد عن السابعة عشر ..لمعت عيناه ..تحدث عنه بفخر شديد ..قال عنه ..انه احسن الرماه بين جميع ابناء القبائل العربيه المحيطه بالجبل الشرقى من الجيزه حتى اسوان ..فهو البطل فى كل المسابقات الرمايه التى تقوم بين شباب العرب ...حيث يتباروا فى مناسبات الزواج ...فى سباق الرمايه بالبندقيه على زجاجه من مسافه تبدأ ب100 متر ...ويعاد النزال بينهما لمن يصيب الهدف ....بعد ابعاد الزجاجه ل 100 متر اخرى ...ويظل النزال ..والزجاجه تبتعد ..حتى تحين ساعة الغروب ...وتكون الزجاجه قد ابتعدت لمسافه كبير قد تتجاوز ال 1000 متر ولا تظهر الزجاجه الا من مجرد انعكاس ضوء الشمس عليها ...مما يصعب اصابتها ...ودائما ما يكون الصبى احمد بن الحاج محمد العرمان هو بطل هذا السباق حيث يفوز بالبقره التى يقدمها ..عريس الفرح ..كهديه للبطل...انتهزت فرصة هذا اللقاء وبناء هلى توجيهات اللواء احمد فؤاد الحارونى رئيس مباحث المديريه ..تحدثت مع الحاج العرمان ..عن انهاء بعض الخصومات الثأريه بين بعض العائلات من العرب ...خاصة عائلتى ....البكاكوه ...والبوازين ...وابدى استعداده للقيام بإنهاء تلك الخصومات الثأريه ...فى نهاية اللقاء شكرته وصافحته ..اذكر انه عندما صافحنى احتضننى وقال لى ..سمعت عنك كل خير يا ابو السعود ..واعلم انك رجل تحب حق وتكره الباطل ..لن تسمع عن كل عائلات العرب بالجبل الا كل خير ..طالما كنت رئيسا لمباحث مركزنا ثم صافحته وانصرفت ..
فى طريق العوده ...كان الظلام الدامس يغطى السماء ...وجدت الكثير من رجاله يمتطون الخيل والجمال ويسيرون حولنا حتى وصلنا الى طريق الاسفلت ...بعد عودتى حكيت للمرحوم المأمور مصطفى عوض عن تفصيلات اللقاء واتصلت باللواء الحارونى ايضا واطلعته على كل ما حدث ...وفى نهاية مكالمته لى قال ...ما فعلته اليوم ..لم يفعله احد من قبلك ...سوف توفر هذه الزياره عليك الكثير من الجهد الضائع ..وسوف تتجنب الكثير من المشاكل ..
مرت السنوات ..ولم اعد ارى الحاج محمد العرمان ...وكنت احترم رغبته فى الابتعاد عن المدينه وعشقه للصحراء ....كان ابنه فرحان يمر على فترات طويله طويله احدثه ويحدثنى فى ايه امور تتعلق بأخبار العرب ..وكنت احرص فى نهاية كل لقاء على توصيل السلام لوالده ..
فى بداية صيف 1976 ..كنت قد اوشكت على نهاية الثلاث سنوات المقرره لى كخدمه فى مديرية امن اسيوط ..كانت الامور هادئه فى قرى المركز ...فقد اصبحت اعلم كافة الاخبار وتصلنى من مصادرها ...كانت كلها تشير الى ان الامور على خير ما يرام فى معظم البلاد ...الا انه فى احد الايام جائنى المخبر الذكى احمد الباقورى ..وقال لى ...هناك مشكله كبيره قد تقع بين عائلة العمده ( سويفى )عمدة قرية الخوالد ..وجيرانهم من العرب ...ولما كانت حاسة الشم لدى احمد الباقورى لا تكذب ابدا ..فقد ارسلت فى استدعاء العمده سويفى وابناء عمومته سليمان وكان امين الحزب الوطنى بالقريه ..ورشدى عبد الواحد ( الذى كان يسميه اللواء مصطفى عوض وزير حرب العائله ) سألتهم عن اية مشاكل بينهم وبين العرب ..فأجابوا نفيا ..كنت اعلم تماما ان قدرات افراد العرب القتاليه اعلى بكثير من القدره القتاليه لدى شباب عائلة العمده ...قلت لهم ..إننى اخشى عليهم من الدخول فى اية مشاكل مع العرب ..الا انه وللاسف الشديد ..ردوا بما يطمئننى ...وكان اساس المشكله هوالخلاف على شراء قطعة ارض من احد افراد عائلة باشاوات ساحل سليم ...كان كل من الطرفين يسعى لشرائها ...و كانت هذه الارض هى بداية حمامات الدم بين الطرفين ..فى احد الايام واثناء وجودى بمستشفى ساحل سليم المركزى مع اللواء حسن فطيم فؤاد مأمور المركز فى هذا الوقت ...اتصل عامل تليفون المركز بالسيد المأمور ...وابلغه ان هناك بلاغا من عامل تليفون قرية المطمر بتبادل إطلاق نار بين قرية الخوالد وعرب المطمر ...وان هناك قتيل قد وقع من العرب ...اسمه ...احمد محمد العرمان ...عندما ابلغنى المأمور بملخص البلاغ ....وأكد ان هناك قتيل واحد فقط ...قلت له يا فندم ...اللى مات ده ابن محمد العرمان ...وانا متأكد ...ان هناك بلاغ اخر سوف يرد الان من قرية الخوالد ...عن وقوع قتلى لن يقل عددهم عن خمسة اشخاص من عائلة العمده سويفى ...فاعرب لن يقبلوا او يرضوا بأقل من هذا ..وصح توقعى ...فعند عودتنا بسيارة المأمور الى المركزوفى الطريق ...ورد بلاغ باللاسلكى السياره يفيد مقتل احدى عشر شخصا من عائلة العمده سويفى ..من ضمنهم المدعو سليمان امين الحزب الوطنى بالقريه ...وشيخ الخفراء ...واخرين من نفس العائله ....انتقلت والقوات الى مكان الحادث ..حيث قمنا بضبط ..كل المتهمين ومن ضمنههم ...الحاج محمد العرمان ...الذى كان رغم تماسكه فى حالة انهيار تام ...كان زائغ البصر ..يهذى ...كم كنت حزين لان يكون لقائى الثانى له ..بهذه الغرابه ..كان يبكى وهو مذعور ...كان يتعمد الا ينظر الى ...فقد كنت اعرف مشاعره تجاه ابنه احمد ...دلت التحريات الاوليه بمكان الحادث ...ان احد افراد عائلة العمده سويفى هو من ابتدأ بإطلاق النار على الصبى احمد العرمان فأرداه قتيلا فى الحال ...وعلى اثر ذلك قام ابراهيم العرمان شقيق الحاج محمد ومن معه من العائله بقتل ..احدى عشر فردا من عائلة العمده اخذا بالثأر لقتيلهم الشاب الصغير ...عندما واجهت الحاج محمد بعد ان هدأ ...كيف تقتلون احدى عشر نفس مقابل نفس واحده ...بكى بحرقه ...وقال لى ..انا صاحب الليله وسوف اتحمل تبعات كل ما جرى ...ولما سألت بعض المتهمين من العرب نفس السؤال ...كان ردهم ...كنا لازم نجامل الحاج محمد ..لان ابنه قتل غدرا ....وكالعاده تولت النيابه التحقيق ...ثم حبستهم ...وظل يمد حبسهم الى ان نقلت فى شهر الحركه العامه لضباط الشرطه فى شهر اغسطس من نفس العام ...ظل هذا الحادث يقلقنى لمده طويله ..وكثيرا ما اتهمت نفسى بالاهمال و التراخى ...ولكنى ماذا كنت افعل ؟؟ ...وقد...استدعيت العمده وعائلتهم ...فأنكروا اية مشاكل او خلافات وطمئنونى ...وبرغم ذلك بدأوا العراك ...وأسقطوا اول الضحايا ...الا ان رد فعل العرب كان قاسيا ومتجاوزا .....وحتى بعد نقلى ظللت اتابع تلك الخصومه ...خاصة بعد نقل زميلى النقيب محمد الشيخ الذى عمل معى بمباحث الجيزه رئيسا لمباحث ساحل سليم ...فقد كانت الاخبار تصلنى منه دائما ...وكان يشاورنى احيانا ...وكنت اقدم له بعد النصائح ... وتمت المصالحه بين العائلتين بمجهودات مضنيه من زميلى اللواء محمد الشيخ ....الا اننا تعلمنا ان هذا النوع من المصالحات يبقى دائما على المحك ..
مرت سنوات وسنوات ...واثناء عملى مفتش مباحث مديرية امن الجيزه ..وقع حادث بشع ..بمنطقة بولاق الدكرور ..حيث حضرت سياره بيجو بعد عصر احد الايام ..وتوقفت امام احد المنازل ...وترجل نها شخصان يحملان بنادق اليه ...واطلقا النار بغزاره على كل الجالسين امام المنزل ..مما ترتب عليه مقتل عشرة اشخاص بين رجل وامرأه وطفل ...ثم لاذوا بالفرار ...اسفرت جهود البحث ان مرتكبى الحادث ينتمون الى عائلة البوازين بعرب مطير بأسيوط واتهم يقيمون بعين شمس ...ترددت تحريات تشير الى ان الحادث ..ربما وقع بسبب خصوم ثأريه للعائله بأسيوط ... وبناء على تكليف من السيدين المرحوم اللواء احمد كوهيه مدير المباحث والمرحوم حلمى الفقى رئيس المباحث ...كلفت بالسفر الى اسيوط للتحرى عن حقيقة قصة الخصومه الثأريه ...خاصة وان سجل عملى يشير الى سابقة عملى بأسيوط والمامى بعائلة البوازين ....انتقلت صحبة اخى الكبير واستاذى اللواء احمد العزب الجندى مفتش مصلحة الامن العام .....حيث تقابلنا مع مدير مباحث اسيوط المرحوم اللواء امام حسبو ...وبعد ان اطلعناه على المأمورية ...استأ[ذنته وطلبت منه حضور الشرطى السرى احمد الباجورى من مركز ساحل سليم ...حيث حضر ...طلبت منه التوجه الى الحاج محمد العرمان ..واخطاره بأننى ارغب فى مقابلته لامر هام ....وبعد ظهر اليوم التالى كنت واللواء احمد العزب والمخبر الباجورى فى منزل الحاج محمد العرمان ...كان اللقاء الثالث بينى وبينه استقبلنى بترحاب شديد ...وظل يذكرنى بأيام ولت ومرت ...ولم يبقى منها غير الذكرى ... وبعد ان عرض عليه اللواء احمد العزب (اطال الله فى عمره ) القصة التى حدثت فى بولاق الدكرور ...ابتسم واعتدل فى جلسته وقال بحسم ...قصه الخصومه الثأريه مختلقه ولا اساس لها من الصحه...الحكايه اللى حصلت عندكم فى الجيزه اساسها ...بيعة (صفقة ) مخدرات ولم يسدد ثمنها ....فساله سيادة اللواء ...انت متأكد يا حاج محمد ...فرد ايوه...متأكد ...ولو طلع كلامى مش صحيح ...اتحاسب ..وابو السعود عارفنى كويس..... صافحناه وانصرفنا ...وتبين فيما بعد ...صدق وصحة كل ما قاله الحاج ...محمد العرمان ....نسر الصحراء ...الذى توفى بعد خمسة سنوات من ذلك اللقاء ....رحمه الله ... ...انتهت

نسر الصحراء الجزء الاول

من ذاكرة الجنرا ل
بطل قصة اليوم رجل بسيط ... عرباوى ...لم اكن من المفروض ان اعرفه او إقابله ..فهو لم يقابل فى حياته اى من ضباط الشرطه ...فهو شبح خفى مجهول ...لا يعرف فى حياته ولم يعيش الا فى الصحراء ....سمعت عنه كما سمع عنه غيرى من ضباط الشرطه الذين عملوا فى مراكز شرق النيل الثلاث ( ابنوب ...الساحل ...والبدارى ..)...بمديرية امن اسيوط...عاش طفولته وصباه وشبابه ...يجوب الصحراء ممتطيا لجمل (هجن ) كما يطلق عليه وكما تعلمنا ...سفينة الصحراء ...كنت اتصور ان هذا التعبير والتسميه مبالغا فى دلالتها ...حتى حكى لى هذا النسر ..انه يعرف دروب مصر الصحراويه ......جابها ...جميعها ...من السلوم حتى العريش ...ومن الساحل الشمالى حتى حدود مصر مع السودان ...بالصحراء المصريه ...شرقها وغربها ...حدثنى عن عشقه بالصحراء التى قضى عمره يجوبها ...
عندما نقلت للعمل رئيسا لوحدة مباحث ساحل سليم ...فى صيف سنة 1973 حكى لى عنه زميلى الملازم اول محمود عبد الرشيد وكان محمود من انشط الضباط وأذكاهم ..قال عنه ..انه رجل لا يحب الظهور ..لكن جميع قبائل عرب مطير الذين ينتشرون على طول الهضبه والكسبان الرمليه بدءا من محافظة الشرقيه حتى اسوان مرورا بالجيزه وبنى سويف والمنيا واسيوط وسوهاج وقنا ...يحترمون كلمته ويعد من المرجعيات الهامه والمؤثره بينهم ...وان جميع المصالحات بين عائلاتهم لا بد ان تمر من خلاله ...الا انه لم يقابله او يراه ...واصبح الحاج محمد العرمان ...مجرد اسم لشخص لم يراه احد ...وخاصة من ضباط الشرطه.
فى الشهور الاولى من عام 1974 ...كنت قد تأقلمت على اجواء الصعيد ...ومن خلال الانتقال وضبط المتهمين فى جرائم الثأر ...التى تكثر فى صعيد الوادى ...خاصه فى مناطق شرق النيل ...كان اسمى قد بدء يتردد بين اهالى المنطقه ...حتى اننى وضعت دستور ببعض قواعد التعامل مع المواطنين ومن ضمنهم الاشقياء والفارين من العداله ...اشعت بين الجميع ...اننى لن اطلق النار على اى احد الا اذا اطلق علي أوعلى القوات النار ...فلن اكون البادىء ابدا ...كنت اعتمد على لياقتى ولياقة معاونى من الضباط والشرطه السريين والجنود...فى تعقب الاشقياء وضبطهم ...من يقع فهذا قدره ومن ينجح فى الهرب فهذا ايضا قدره وقدرنا ...ولكل يوم شمس كما يقولون ...لانه لابد وان يقع لاحقا مهما طال الزمن...اما اطلاق النار بمجرد مشاهدة مجرم هارب ...فلم اكن افضله ابدا ...لانه قد يتسبب فى اصابة ابرياء ...
استمرت الامور على تلك الوتيره ...حتى جائنى يوما الضابط محمود ...ومعه شاب صغير ...نظيف الملبس حسن الطلعه ..عرفنى به ...كان اسمه فرحان العرمان (ابن الحاج محمد العرمان ) بطل حكايتنا اليوم ...رحبت به ..كان بعينه لمعة ذكاء حاده ...لم يقل سوى أن الحاج بيسلم على حضراتكم ...ثم انصرف ... ولم اعلق ...
بعد شهر عاد الابن فرحان ...قابلنى ...وابلغنى رساله من الحاج ...مضمونها انه يرحب بلقائى بمنزله بمنطقة عرب المطمر ...وعدته ببحث وتلبية الدعوه إن امكن ...وانصرف ...قمت بعرض الامر على العقيد مصطفى عوض مأمور المركز ...وكان رجل عاقل وكيس عمل كثيرا فى مجال البحث الجنائى ..الا انه نصحنى بعرض تلك الدعوه على رئيس ومدير المباحث بالمديريه ...اللذين رحبا بعد دراسة الاستفاده الامنيه من تلك الزياره ...خاصة وان هذا الرجل لم يقابله اى ضابط شرطه منذ عشرات السنيين ...
تحدد ميعاد الزياره بعد ايفاد المخبر احمد الباقورى ...وكان هذا الرجل رحمه الله من اخلص من عملوا معى بمركز ساحل سليم ..كان يحبنى ويخشى على كما لو كنت ابنا له ...وكثيرا ما استمعت له بإنصات شديد ..واخذ بنصائحه ..وفى الساعه المحدده توجهت ومعى الضابط محمود..والمخبر احمد الباجورى ...سارت السياره بالمناطق الجبليه والصحراويه ..وبإرشاد احد رجاله الذى ركب معنا وصلنا الى اكواخ قرية العرب ..كنا وقت الغروب ...وطوال الطريق كنت ارقب ..من بعد ..نقاط الحراسه من الافراد العرب...فهؤلاء ...يخافون بطبيعتهم ...ولا يثقون فى اى احد ابدا بنسبة 100% اى كان ...
وصلنا الى منزل ...الحاج محمد العرمان ...الذى استقبلنى بالاحضان ...مكررا ...عبارة ...اهلا ابو السعود ...اهلا ابو السعود ...كان مظهره مفاجئة لى ...رجل قصير ..صغير الحجم ..له عيون ضاحكة غريبه ..ليس لها لون محدد...حافى القدمين ...ذقنه غير حليقة ....يرتدى جلباب بسيط ...الا ان حرارة استقباله ...كان لها اطيب الاثر ......ممكن استأذنكم لباكر ....انشاء الله

توابع زلزال يونيو 1967

من ذاكرة الجنرال
صديقى ...الذى اختفى.. الى الابد
فى اعقاب تخرجى من كلية الشرطه سنة 1968...عينت ...بقسم شرطة امبابه ..فى هذا الوقت.. كانت البلد تغلى وتفور ...عاصرت عن قرب مظاهر السخط والغضب الشعبى فى الشارع المصرى ..عقب صدور احكام قادة الطيران المسؤلين عن هزيمة يونيو ..
كان الشعب المصرى غير مصدقا لكل ما حدث ..سادت حاله من التخبط والتشتت ..انتشرت بين كل التجمعات ..على المقاهى ...فى كل وسائل المواصلات العامه ..حتى الجلسات العائليه ...لم تخلو من هذا ...تعددت الاراء وتعارضت ...هناك من يقول ...لا فائده ...وكانوا كثيرين ..وهناك من يقول انها بداية الصحوه ..كان الجميع يستمعون ...بعقول مفتوحه ...وحواس متحفزه ...
ورغم كل مشاعر المراره ...الا انها كانت من اغنى تجارب وفترات الشعب المصرى خلال ...تاريخه المعاصر .. ..كانت مصر كلها تلعق جراحها ......وكل يعلم ان المعركه ...قادمة ...لا محاله ..
ومجرد افتتاح الجامعات المصريه فى شهر اكتوبر ...خرجت المظاهرات العارمة الغاضبه تجوب المدن الكبرى بمصر ..كان الجميع يبحث عن تفسير واضح ومقنع لكل ما حدث لمصر ...لكن نشوة الانتصار لدى اعداء مصر هى التى كانت حجبت عنهم رؤية تصميم هذا الشعب على الثأر ...وبأى ثمن ....
وكالعاده كان تفسير السلطه لتلك المظاهرات ...هى استغلال اليساريين لحالة الارتباك والتخبط التى كانت تسود الشارعالمصرى ...وبدلا من الاستفاده من هذا النبت الصالح من الشباب الوطنى ..كانت وللاسف عملية اخماد حماس هؤلاء ..والاستفاده من شعبيتهم وطهارتهم وتوجيههم لتوجهات السلطه ...اكتب عن تلك الاحداث بعد مرور نصف قرن من تلك الايام الحالكه من تاريخ مصر ...والتى كانت بدايه لصحوه وطنيه وعسكريه كبرى ...كانت هى الوقود والمقدمه لحرب ونصر اكتوبر المجيد ..والتى كان من الممكن استغلالها لأبعد من هذا ...بكثير ..كان من واجب سلطة الدوله ...الاخذ بيد هؤلاء الشباب واعطائهم الفرصه كاملة ..اذكر كمثال لشباب هذه المرحله ..الدكتور عبد الحميد حسن ...كيف ظهر؟ وكيف ووظف ..؟وما ..ال اليه ؟
المهم نعود لموضوعنا الاساسى ...عند اندلاع مظاهرات الغضب ..كنت فى بداية العشرينات من عمرى ..اشعر واعيش مشاعر جيلى ..حزين على وطنى ..لكنى ملتزم بوظيفتى .....اثناء المظاهرات ..تم القبض على عدد كبير من الطلاب الجامعيين ...ثم جرى توزيعهم ..على اقسام الشرطه ...كان من نصيب القسم الذى اعمل به حوالى عشرين منهم .....كانوا جميعه بسطاء ..فى مثل عمرى ..لازلت اذكر بعضهم ...يملؤهم الحس الوطنى ...كانت التعليمات بالنسبه لهم ...التحفظ عليهم لحين صدور تعليمات ...كانوا يعاملون معامله خاصه ...فهم ليسوا مجرمين ..كثيرا ما كنت اجلس معهم واحدثهم ..خاصة اثناء النوبتجيه الليليه ...كانوا ابرياء ..انقياء ..متحمسيين لقضية مصر ...ومن خلال التعامل اليومى معهم ..زالت الحواجز والحساسية بينى وبينهم ...وان كان لازال هناك بعض التوجس لدى بعضهم..
كان من ضمنه ..طالب لازلت اذكره جيدا ..الا اننى لا اذكر اسمه ...نحيف ..قصير ..شعره بنى مجعد ..ملامحه دقيقه ..عندما يتحدث ..تسرع من فمه الكلمات ..مما يصعب ملاحقته.حدثنى عن احلام وثقته فى المستقبل .اذكر من كلماته ...لا بد للشمس ان تسطع يوما ..كنت متعاطفا معه ..كان من الواضح انه ينتمى لاسره بسيطه مكافحه وكان يعتز بذلك ..كان عزيز النفس ...وبمرور الوقت...وثق فى ..واصبح يشتكى لى همومه ...ومخاوفه ...كانت اطمئنه ...واقول له ..من الطبيعى ان يكون لديك تلك المخاوف ...فى تلك الظروف ..استمرت اقامة هؤلاء الضيوف معنا حوالى عشرة ايام ..حتى جاءت ...سياره لورى لاستلام هؤلاء الضيوف ........اتذكر ان اغلبهم صافحنى عند الرحيل ...اما صديقى الذى لا اذكر اسمه ..فقد صافحنى بحراره واحتضننى وسألنى وهو يبتسم ...احنا رايحين فين ؟؟على القلعه ؟ولا على طره ؟..وطبعا لم ارد ...لانى لم اكن اعلم ...
مرت الايام والاسابيع والشهور ...واثناء تواجدى يوما فى النوبتجيه المسائيه بالقسم...وفى عصر احد ايام صيف 1969..حضر تجمهر من المواطنيين يقتادون شاب صغير حافى القدمين يرتدى بيجامه ...وبمجرد مشاهدتى له ...تعرفت عليه ...فقد كان هو صديقى الطالب الجامعى ...ذكر بعض المواطنيين ...انهم شاهدوه يسير هائما على وجهه فى شوارع حى امبابه ..وانه كان يهذى ...بكلمات غير مفهومه ...فأحضروه للقسم ...اقتربت منه وتحدثت اليه ...الا انه لم يتذكرنى على الاطلاق ...كان مرتبك وفى عينه دمعه متحجره ...كان يتصبب عرق ...لم يكن يحمل اى اوراق تدل على شخصيته ...حاولت مرارا ..ان اتحدث اليه دون جدوى ... فقد كان صامتا شاردا ...كان يردد عباره واحده ...انتم عايزين تعملولى ..غسيل مخ ....كنت حزين عليه ...لم استطع ان افعل له اى شىء ...سوى استدعاء ..سيارة الاسعاف لنقله للمستشفى ...حاولت تقديم بعض السندوتشات ...إلا انه رفض بقوه ...قائلا ...انتم حاطين فيها سم ......ودون ان ينظر اللى ..اختفى داخل السياره ...ولم إشاهده او اسمع عنه ...منذ هذا اليوم شيئا ...............ملحوظه ..هامه .....تناولت تلك الحكايه عدة مرات ...ولا اعلم ..لماذا اتذكرها دائما عندما تقترب ذكرى هزيمة يونيو 1967 ؟؟؟؟؟...................................انتهت