الاثنين، 7 نوفمبر 2016

الجزء الثالث والاخير من جريمة الثأر بقرية المطمر

على لسان الجنرال
فاتنى ان اذكر امس انه عند عودتى للمركز كنت اجلس بالسياره وبجانبى الملازم اول مصطفى العشماوى وفى الطريق لم انطق بكلمه واحده ...كنت استرجع تفصيلات ما حدث الذى كان من الممكن تداركه بإجراء شكلى كان سيترتب عليه حقن دماء ثمانية رجال ...لهم اسر واطفال وزوجات ...وعند وصولى لقرية المطمر طلبت من السائق دخول القريه ...نظر الى باستغراب وكذلك الملازم اول مصطفى ...سرت فى القريه صوب منازل عائلة مكى مخترقا حدائق الموالح الكثيفه حيث تنبعث منها رائحة زهورها الذكيه الا ان رائحة الموت كانت هى الغالبه ...كان الصمت المريب يخيم على القريه ...اختفى الناس من الشوارع ...كنت المح بعض الرؤس اعلى المنازل تتابع بإهتمام سيارة الشرطه التى استقلها ...بعد دقائق وصلت الى منازل عائلة مكى حيث يقيم كبار العائله ..السيد توفيق مكى زوج السيده عضوة مجلس الشعب وكان من كبار مزارعى وتجار الموز وشقيقه الاستاذ عبد الباسط المدرس بالتربيه والتعليم وكان يربطنى بهما معرفه واحترام متبادل لم يعكر صفوه الا تدخل النائبه المحترمه .....طرقت باب المنزل ومن المعروف وفقا للعادات والتقاليد انهم لا يتلقون العزاء فى مثل هذه المواقف حتى يأخذون بالثأر ...الا ان زيارتى بإعتبارى من رجال الاداره تعد استثناء ...استقبلنى كبيرهم الاستاذ عبد الباسط وصمم على دخولى المنزل ...دخلت ومعى الملازم اول مصطفى ...كانت دموع الرجل تغلبه ...احتضننى وبكى بصوت مسموع على كتفى ..حدثنى فى اذنى كما لو كان يحدث نفسه ...احنا اسقين يا فهمى بك ...لم نسمع نصيحتك ..كنت اعلم ان من ضمن قتلاهم شقيقه الصغير محمود وكان شاب جميل وجيه الهيئه ..فارس ماهر يقتنى العديد من الخيول ...كان من ضمن ما قاله لى بحرقه تقطع القلوب ...محمود مات يا فهمى بك ...ده لسه عريس جديد ...رتبت على كتفه وقلت له ...تماسك يا رجل ..انا لله وانا اليه راجعون وكل من عليها فان ...قلت له ..كنت اتمنى الا يحدث ما حدث ..لكنها ارادة الله ..قلت له امام اهله ..حضرت للمواساه ..وبعتذر ان كان هناك شىء لم افعله لتفادى ما حدث... فرد على ...لا..لا ..سيادتك عملت كل اللى تقدر عليه واكثر ...جلست معه ومع بعض اقاربه عدة دقائق كنت استشعر بثقلها ...كانت زيارتى لهم غير متوقعه لكنها كانت هامه لنتفيذ ما طلبه منى مدير الامن ...خرجت من عندهم وانا احمد الله ان وفقنى والهمنى لها ...فقد كان لهذه الزياره تأثير سحرى فى لمس مشاعرهم الانسانيه والاقتراب منهم ... عدت الى المركز وتناقشت مع المأمور فى كل ما حدث وكان رجل هادىء جميل يثق بى ثقه مطلقه ...بعد عدة ايام حضر الى وفد من العائله لتقديم الشكر على زيارتى لهم ..جلست منفردا مع الشقيقين عبد الباسطهما وتوفيق الذى لم ينطق بكلمه برغم تشجيعى له ...قال لى الاول بماذا تنصحنا ...قلت لهما وكلماتى تسبقنى ...عايزين نربى العيال الصغيره ...اشارة لمن فقدوا ابائهم ...القيت لهم بإقتراحى فى عباره واحده ولم انتظر منهم رد وانهيت المقابله ...بعد ان وعدتهم بزياره اخرى.... حدثت نفسى ...سوف اترك لهم فرصه التدبر والتفكر فيما اقترحته ...وقد كان ....كان من ضمن ما قلته لهما فى الزياره التاليه ..ان تربية الاطفال هى افضل شىء نفعله احياء لذكرى من ماتوا ...وان استمرار مسلسل التأر لن يجلب الا الخراب ...وان الرجوله تقتضى منا شجاعه العقلاء ...قلت لهم .سوف ننتظر مرور ذكرى الاربعين ثم نعرض الصلح على العائلتين ...وكان هذا هو الصلح الوحيد الذى اقترحته وسعيت اليه جاهدا خلال ثلاث سنوات قضيتها فى ساحل سليم ....وبعد مرور ذكرى الاربعين وبحضور مدير الامن ومدير المباحث وقيادات الشرطه والقيادات الشعبيه وبحضور الاسناذ فهمى تمام عضو مجلس الشعب تمت المصالحه بين عائلتى مكى وعبد العال ...وكان من اسعد ايام خدمتى وانجازاتى بمركز شرطة ساحل سليم .
اذكر اننى نقلت بعد قتره وجيزه الى اكاديمية الشرطه ورقيت الى رتية الرائد ..كم كنت سعيدا عندما قرأت باحد الصحف اليوميه تهنئه من الاستاذ عبد الباسط مكى والعائله بالترقيه ...فقد استشعرت وقتها ان ما فعلته لم يذهب سدى ...لازلت حتى اليوم اتابع تلك الخصومه وهذا الصلح الذى لمن ينقض منذ سنة 1976 حتى الان والحمد لله ...وكم اشعر بالسعاده عندما اقابل بعض اهالى المنطقه واعلم منهم ان العائلتين قد تصاهرتا وتناسبتا وان الامور بينهما على خير وجه ...الحمد لله ...انتهى...

الجزء الثانى من جريمة الثأر بقرية المطمر

على لسان الجنرال
بعد ان خرجت السيده عضوة مجلس الشعب من مكتبى غاضبه ..وبعد فتره وجيزه لا تزيد عن ساعه زمنيه اتصل بى مكتب السيد اللواء مدير امن اسيوط وعلى غيرالعاده كلمنى بشخصه ..
كان ثائرا وطلب من الحضور ومقابلته على الفور .
أستأذنت من السيد العقيد حسن فطيم مأمور المركز بعد ان اطلعته على تفصيلات ما حدث ..وكنت قد اطلعته سابقا على المشكله من بدايتها ...وبعدما لا يزيد عن نصف ساعه كنت امام اللواء سعد الشربينى مدير الامن ..الذى عمل بعد ذلك مديرا لمباحث امن الدوله ثم محافظا للدقهليه ثم وزيرا الحكم المحلى وجدته ثائرا ولما حاولت ان اشرح له اننى لا اجامل احد وان تدخلى كان لحماية تلك الاسره وان السيده عضوة مجلس الشعب ليست من العائله ولا يمكن ان تتفهم مشاكلها كما اتفهمها ..فإسرة العمده لا يمكن ان تسكت على ما اصاب احد افرادها ايا كان شخصه ..كان يجلس بجواره العميد حسنى العشرى مدير المباحث الذى كان ينظر الى مبتسما وشامتا ...فقد كان رحمه الله لا يحمل لى كثيرا من الود فق كان يعتبرنى على غير الحقيقه مغرورا اتدخل كثيرا فيما لا يعنينى ...ويعلم الله كم كنت مظلوما فى هذا الاتهام الذى لم يستطيع ان يغيره ابدا طوال فتره عملى بأسيوط ..وفى نهاية اللقاء طلب منى السيد مدير الامن ترك تلك المشكله وان يتولاها السيد العميد حسنى العشرى بحجة ان السيده عضوة مجلس الشعب نعتنى بأننى غير محايد ...انصرفت وانا حزين ..كنت احدث نفسى ...كنت اود ان اترك اسيوط فى حال احسن من ذلك ..واننى لم اكن ابدا غير محايدا منذ ان عملت بجهاز الشرطه ..فقد كنت اعلم علم اليقين ان المشكل سوف تتطور للاسوء وبسرعه مهوله ...كنت متيقن ان هناك دماء سوف تسيل من الممكن تجنبها لو استمع مدير الامن لوجهة نظرى ..وعلى طريق العوده وامام قرية المطمر شاهدت العمده صادق يقف ومعه بعض الاشخاص كما لو كان ينتظرنى ويريد التحدث معى الا اننى تظاهرت بعدم رؤيتى له ولم انظر اليه واستمريت فى طريقى ...وعدت الى المركز وانا مهموما حزينا على ما حدث والاكثر عما سوف يحدث ...قابلت المأمور وقصصت له تفصيلات ما حدث ..قلت له انا الان مكبل اليدين وافضيت له بكل مخاوفى ..فبعد ان امر مدير الامن مدير المباحث بتولى الموضوع لم يعد فى امكانى او امكان غيرى ان يفعل اى شىء ...كانت اجازتى الشهريه قد اقتربت (الراحه المجمعه) وبعد عدة ايام كنت استقل القطار فى طريقى الى القاهره ...لكن المخاوف كانت تنتابنى وبرغم ما حدث كنت ادعو الله ان يوفق مدير المباحث فى حقن الدماء ..طوال فترة الاجازة كنت خائفا مترقبا ..وفى نهاية الاجازه التى كانت تستمر مدة اسبوع جائتنى اخبار سيئه بحدوث معارك داميه بين العائلتين كما توقعت ...الا انى لم اعرف تفاصيلها الا بعد ان عدت من الاجازه ...فى المحطه نزلت من القطار وجدت فى انتظارى الملازم اول مصطفى العشماوى زميلى بالمركز...استقيلنى بوجه متجهم على غير عادته ..وعندما استفسرت منه عن الاحوال قال ...المطمر قامت على بعضها وسقط ثمانية قتلى غير المصابين وان سبعه من الضحايا من عائلة مكى ...وانه مكلف من مدير الامن بالتنبيه على بالتوجه فورا لمقابلته ..كانت صدمه كبيره الا اننى كنت قد تعودت على هذه الامور والحوادث فى اسيوط ...عند وصولى للمديريه قابلت مدير مكتب المدير الذى اشار على بسرعة دخول مكتب المدير ومقابلته ..بدخولى المكتب كان المدير يجلس على مكتبه منتظرنى وبجواره العميد مدير المباحث وبالقرب منه اثنين من ضباط مصلحة الامن العام جاءا لمتابعة هذا الحادث ..طلب منى المدير الجلوس ولما وجدنى مترددا قال بلغة حاسمه ...اقعد يا فهمى ...سألنى ...عرفت باللى حصل ...فصمت ...ايه رأيك ؟ولم ينتظر ردى ...بادرنى ...الموضوع ده ممكن يتحل ويخلص ؟ نظر الى منتظرا ردى ...فأجبته بكلمه واحد ...ممكن ...فتدخل مدير المباحث ..ممكن ازاى ...سبعه قتلى مقابل واحد من الاسره الاخرى ؟ فأجبته ممكن يا فندم ...فأشار مدير الامن لمدير المباحث بيده بالصمت ..قائلا ..اسكت يا حسنى ..فسألنى مدير الامن ..ممكن يا فهمى تعمل مصالحه بين العائلتين فأجبته بالايجاب ..قلت فى فى تبرير ذلك ...يا فندم عائلة مكى فقدت سبعه من افرادها وليست الان ولا فى المستقبل القريب على استعداد لدخول معارك جديده ولا فقد المذيد من الضحايا ...فتعداد اسرتهم ليس بكبير ...اتوقع انهم على استعداد للصلح لو عرض عليهم بطريقه مناسبه ولائقه ..فهذا هو المخرج الوحيد لهم ...الان ...وعلى الفور ودون تردد طلب منى مدير الامن العوده للمركز والتمهيد للمصالحه والاتصال به شخصيا خلال اسبوع ..عدت الى المركز وانا اشعر باسترداد كرامتى التى خدشت منذ اسبوع ...وفى طريق عودتى استرجعت الاحداث وعند مرورى بقريه المطمر تذكرت الضحايا الذى فقد بعضهم حياته دون ان يقترف اى ذنب او جرم ..
غدا سأحكى ماذا فعلت لكى اقنع عائله فقدت سبعة اشخاص من خيرة شبابها بالصلح مع الاحتفاظ بكرامتها وبإسلوب لائق ...باهل الصعيد ... .

ثأر المطمر

 يقصها الجنرال

كان عملى بصعيد الوادى بأسيوط بمثابة دوره دراسيه مكثفه لجريمة الثأر....كيف تنشأ ؟وكيف تتطور؟...واسئله كثيره وكثيره تحتاج الى دراسات واسعه وعميقه ...كثيرا ما سمعنا من خلال القصص والافلام والمسلسلات عن تلك الجريمه ...الا ان الواقع يختلف تماما ولا معنى له الا اذا عايشنا تلك الحكايات ...فأفة الثأر جزء من تراث وثقافة اهل الصعيد ومهما تضافرت الجهود فسوف تظل موجوده قد يعلو المؤشر وقد ينحسر ..الا انه موجود ما دامت مياه النيل تنساب بين ضفتى نهره الخالد ..ولعلى اعترف ولاول مره اننى عندما نقلت الى الصعيد كنت اتصور ان جريمة الثأر مرض يمكن ان يقتلع من جذوره ...الا ان فى نهاية خدمتى هناك اكتشفت اننى تحولت بدرجه كبيره الى صعيدى ارى فى الثأر نوع من العدل والحق والحياة والقصاص .....فقد تسللت ثقافة وتراث الثأر الى عقلى ووجدانى واقتنعت انه قد يكون ضروره حتميه ما دمت قد وجدت نفسك تسبح فى عالمه .
اخترت لكم اليوم قصه حقيقيه بشخوصها واحداثها وجدت نفسى رغما عنى اعيشها ..كانت تقيله بأحداثها ودمائها ...سوف احكيها لاول مره لانها تعيش معى بكل تفاصيلها دون حذف او ايجاز وارجو ان تتفكروها وتتدبروها ...والله ولى التو فيق ..
فى شتاء 1976 كانت قد اوشكت مدة خدمتى بمركز ساحل سليم على الانتهاء ولم يتبقى لى الا عدة اشهر ..كنت قد حفظت عن ظهر قلب عاداتهم وتقاليدهم الى حد كبير... اصبحت استشعر اننى قريب من فكرهم ..و ان اتنبأ بردود افعالهم ....وها قد اوشكت الثلاث سنوات (مدة الخدمه) على الانتهاء ...كانت علاقتى باهل القرى على احسن ما يرام ..واخذت اهيىء نفسى للانتقال لعمل جديد ...وكنت اتمنى ان تمر الفتره المتبقيه بسلام وهدوء..الا ان هناك حادث جلل وقع فى تلك الفتره قلب الامور رأسا على عقب فالرياح لا تأنى دائما بما تشتهى السفن ...لازلت اذكره بتفاصيله التى عاصرتها يوما بيوم وساعه بساعه .
فى احد الايام جائنى الشرطى السرى احمد الباقورى وكان رحمه الله من المخبرين الاذكياء ..له علاقات طيبه باهالى المنطقه ..كان قصير ضئيل الحجم ..كان شعله من النشاط والحماس ..ابلغنى ان هناك مشكله شخصيهه حدثت فى قرية المطمر التابعه للمركز بين شخص ينتمى لعائلة مكى تعدى بالمركوب (الحذاء)على صهره من عائله عبد العال وان الامور تطورت الى مشكله بين العائلتين وتنذر بعواقب وخيمه ..وعندما سألته وكيف نواجه المشكله اجاب بإقتضاب ...لازم اللى ضرب المركوب ينضرب مركوب ...اخذت اقلب الموضوع على كل جوانبه كما تعودت ..فأنا اعرف بحكم عشرتى لاهل المنطقه انه لا يوجد حل اخر ...فعائلة المعتدى عليه هى عائلة العمده صادق عبد العال وهى عائله كبيره عددا وعده ...ولا يمكن ان يمر هذا الموضوع مرور الكرام ولا يمكن ان يتحملوا تلك الاهانه اى كان الثمن ... ثم توالت الانباء ان افراد العائله قد عقدوا العزم فعلا على ارتكاب امرا ما .....بهدوء ارسلت فى طلب الشخص المتهم بالاعتداء بالمركوب وبعض العقلاء من افراد عائلته ..جلست معهم وتناقشنا واعترف المتهم بخطأه وابدى اسفه..وابدى اهله استعدادهم لحل المشكله بتحكيم العقل ...كنت بحكم خبرتى اعرف جيدا ما قد تؤول اليه الامور بحكم سنوات خبرتى وبأخلاق وعادات اهل تلك المنطقه ...وقد اوحيت الى بعض اقارب المتهم بالاعتداء بأنه ليس هناك اى مشكله فى قبوله تلقى مركوب مماثل وايد ووافق اقاربه جميعا على هذا الحل برغم قسوته حقنا للدماء ...اتصلت بكبار عائلة عبد العال وطلبت منهم الهدوء والتروى واعطاء الفرصه للحل السلمى واتمام التصالح بينهما ...
فى اليوم التالى فوجئت بسيده تدخل مكتبى مندفعه وتتحدث ...قدمت نفسها بإعتبار انها زوجة السيد توفيق مكى احد اعضاء عائلة مكى ...واضافت انها عضوة مجلس الشعب عن دائرة مدينة اسيوط ..كانت تتكلم بصوت مرتفع على غير ما تعودته طوالى عملى بمركز ساحل سليم ...قالت لى احنا ..( اى عائلة مكى ) لا نقبل ان يضرب لنا رجل بالمركوب حتى لو مات ...كانت مفاجأه غريبه بالنسبة لى لم اتعودها قلت لها بهدوء....سيدتى انا اتعامل هنا مع الرجال فقط ...وان ما افعله يتعلق بإمور قد تصل الى ارتكاب جرائم قتل ..انا احاول ان احقن دماء عائله زوجك قبل كل شىء ...الا انها كانت تتحدث كما يتحدث اليساريون دائما ...بإصطناع المشكله ثم تركها بلا حل واقعى...فردت ..اتركنا نحل مشاكلنا ولا تتدخل ..فنحن نرفض ان يضرب رجل منا او يهان ...والغريب لم يرد رجل واحد من عائله زوجها ...وانصرفوا جميعا وهى تتوعدنى بالشكوى لمدير الامن ....ولكن ماذا حدث بعد ذلك ؟ هذا ما سأرويه واستكمله باكر بإذن الله .....

الخميس، 3 نوفمبر 2016

عصارة القصب

عصارة القصب
قصه قصيرة
حدث في ريعان شبابى يوما ما ... عندما كنت شابه صغيرة , في شتاء أحد اليالى قارسه البروده من شتاء أكتوبر .. تحديداً 28 اكتوبر 2015ق . م .
ثورتين .... مرت ببلادى أنذاك , ويبدوا أان الوهم أاصبح سيد الموقف في المرتين , الجميع مستفيد ولكن الأكثر نفوذاً هو الذى ساد بالنهايه 

بأى حال 
في تلك الليله بالذات كنُت بصبحه صديقه لى بميدان العجوزة و كنا قد تعودنا كلما مررنا من هذا المكان أن نشرب عصير قصب من عصارة بسيطة قديمة بشارع جانبى .كنا نتحدث بصوت عالى ونضحك تحت المطر تغمرنا السعاده كعادتنا .
وصلنا لعصارة القصب وطلبنا كوبين عصير ووقفنا نتحدث ونضحك وبجانبا رجل لفت نظرى أنه يُعطينا ظهرة بشكل مفتعل حتى لا نراه ولكن أذانه وعنيه معنا .
رجل قصير القامه ليس طويل ولكن شعرة الابيض وشياكته وهيبتة جعلتنى أاشك فيه , فوقفت وراءه أنظر إلي محفظتة وهو يخرج النقود من محفظتة للحساب  على العصير  , فوجدت بداخلها كارنيه وزارة الداخليه امن وطنى .
تحيرت في أمرى كثيراً ...ما الذى يفعله مثله هنا في مثل هذا المكان المتواضع وكيف يتحرك وحيد بشكل منفرد , وقررت ألا أكلمه , وبهذه الاثناء لاحظنى فإتلفت لى  , كان وسيم وهندام وله هيبه ملفته للنظر .
وبعد تردد قررت أن أبدا بالحديث ولا أدع الموقف يمر هكذا فلم أقابل مثله من قبل  : جميل أن تشارك الداخليه الشعب إهتماماته البسيطة ...
برقت عينيى  الرجل
ذهولاً وتقلب وجهه بالالوان وبعد مضى دقيقه صمت وتأمل على ما يبدو أنة كان يبحث بعينى عن إجابة مناسبة ومع قوتى وثباتى أتخذ قرارة  ,  فقال : أيوة إحنا بنحب نشارك الشعب .
ردت بقوة : دا شئ جميل .
الرجل لازال في حيرة من أمرة ويتأملنى فقاطعته صديقتى موجهه حديثها لى  : إنتى عرفتى منين ؟
فخرج الرجل من ربكته قائلاً : صحيح عرفتى منين ؟ مخابرات ؟
فضحكت وهو واقف ينظر إليا ينتظر منى اجابه وضحكت صديقتى أيضاً , وكأنى سمعت خفقات قلبه , ولم أرد : فسأل سؤال اخر : هو حضرتك شغاله إيه ؟
أخبرتة : موش بالضرورة أن أكون شغاله يكفى الإ نسان يكون لماح .
الرجل وقد بلع ريقه : أممممم , و لكن لازال لدى فضول كيف عرفتى طبيعه عملى ؟ هل سبق وتقابلنا ؟؟ لا أتذكرك ذكرينى 

 أخبرتة الكارنية بمحفظتك وأنت بتدفع الحساب . و أشرت له كانت لازالت مفتوحة بيدة
هدأ قلبة وأرتسم بوجهه علامات الهدوء وإبتسامة خبيثة قائلاً  : إنها ملاحظه جيده سأضعها بإعتبارى ولم يتناول عصير القصب بل إنصرف مسرعا ولم يودعنا واختفي من الشارع حتى لم ألحظ من أي إتجاة سار . 

ونادى علية صاحب المعصرة : يا أوستاذ يا أوستاذ العصير يا أوستاذ .
ونظر لنا قائلاً : الراجل دفع الفلوس ومشى  ونسي العصير 
فضحكت أنا وصديقتى
ربكه رجل مثله حيرتنا كثيراً , لا أعلم ... لماذا يخاف مثل هؤلاء ؟؟ ولماذا فكر أن يتجول وحيداً بدون حراسه ؟؟

بأى حال  أخذت العصير أنا وصديقتى وعُدنا للكوورنيش نضحك ونغُنى تحت المطر حيث كانت ليله شتاء لا تعُوض .