الأربعاء، 20 يناير 2016

انـتَـظـرْتُهُ كــثــيــرًا


بعدَما رَفَضْتُ أنْ أَرُدَّ عليه في الكُليّة سَأَلَ عنِّي وتقدَّمَ لي, وَأُعْجِبَ جدًّا بعدم كلامي معه، وقالَ لأبي: أعشَقُ الفتاةَ صعبةَ المِراس، رَفْضُها للحديث معي بالكُليَّة عَلَّقَنِي بها كثيرًا جَعَلَنِي أُصَمِّمُ أكثرَ عليها.
تقدَّمَ لِخِطبتي الدكتور عبد الفتاح وهو أستاذٌ جامعيٌّ يكْبُرُنِي بـخمسةَ عشرَ عامًا, وَكُنْتُ أَرْفُضُهُ تمامَ الرَّفْض, إلّا أنَّ أُمِّي رَأَتْ أنَّه فارِقٌ مناسِبٌ جدًّا وليسَ كثيرًا, لم أفهمْ ذَوْقَ أُمِّى يومًا ما.
وافَقَ والدي لأنَّ الرجل عَرَفَ قيمتي، ولم يكُنْ هناكَ مَفَرّ, وتَمَّ تحديد موعد للاتِّفاق على الخطبة وقراءة الفاتحة، وَأَبْلَغْنا رجالَ العائِلة مِن أعمامٍ وأخوالٍ كي يحضُرُوا الاتِّفاق, وفي اليوم المَوْعُود انْتَظَرْناهُ طويلًا إلّا أنَّه لم يأتِ, واتَّصَلَ أبي به لكنَّ تليفونَه كانَ مُغلَقًا.
ذَهَبَ والدي إلى منزله ليسألَ عنه, فَوَجَدَهُ أمام التلفاز، فسألَه باستغرابٍ: كان لديكَ موعدٌ اليوم ببيْتِنا، لكنِّي أراكَ مُستَمتِعًا أمامَ التلفاز، خيرًا !!
يُقاطِعُ والدي لِيَرُدَّ وبِكُلِّ بُرُودٍ: أُمِّي رَفَضَتْ هذه العروس، لا تَراها مُناسِبَةً لي .
يَستَشيطُ والدي غَضَبًا مِن كلامه: نعم!! لماذا حَدَّدْتَ موعِدًا إذن وجعلتَنا نَنْتَظِرُكَ؟؟ هل صَعُبَ عليك الرفض؟؟
عبد الفتّاح في نَدَمٍ: آسف يا عمِّي, سآتي معكَ حالًا إنّها تُعْجِبُني كثيرًا, الفكرة أنَّ أمِّي لا تراها مُناسِبةً لي.
يَتْرُكُهُ والدي ويخْرُجُ مِن منزله بعد هذه المُهاتَرات, ليخرج وراء أبي مُسْرِعًا لِتُنادي عليه أُمَّهُ إلّا أنّه يَتْرُكُها وينزِلُ، كانَتْ والدِتُه تُسَيْطِرُ عليه بشكلٍ سَلَبَ إرادته, رجلٌ مِسكينٌ، وأنا فتاةٌ لا تُحِبُّ الانتظار، أُفَضِّلُ التحكُّمَ في أُمُورِي دائِمًا وَأَتَحَكَّمُ بِزِمامها.
دَخَلَ والدي ووراءه العريس معتذِرًا مُتَلَهِّفًا إلّا أنَّ كلماتِه لم تشفعْ أو تنفعْ بالنِّسبة لي, لم أَقِفْ حتّى لِأَسْتَمِعَ لكلماته, أمّا أُمُّي فَوَبَّخَتْهُ كثيرًا وكانَتْ ثائِرةً جدًّا لِوَضْعِها في هذا المَوْقِفِ المُحْرِج.
أَبْدى حرجه الشديد مِن هذا الموقف وبدا مُحتَرَمًا, فَأَعْطى والدي موعِدًا آخرَ بعدَ ثلاثة أيام… رَفَضْتُ تمامًا وَرَفَضَ والدي أيضًا إلّا أنَّ عبد الفتّاح أَصَرَّ وَأَبْدى أَسَفَهُ وندمَه فَوافَقَ والدي على إعطائي له فُرصَةً أخرى، وانْتَظَرْتُهُ أيضًا ولم يأتِ.
عَلِمْتُ بعد ذلك أنَّه رجلٌ مريضٌ, آخِرُ بنتٍ ارْتبطَ بها تَرَكَها يومَ الفرح، لم يَذْهَبْ أصلًا, وقبلَها كانَ يترُكُهُنَّ في الخطبة.
طبعًا أَخْبَرَنِي أنّه أَحَبَّنِي بِصِدْقٍ ولم يَكُنْ يَنْوِي أنْ يَكْسِرَ قلبي كما كَسَرَ قُلُوبَ الكثيرات… نعم، لا تستغرِبُوا فقد خَسِرَ حبيبَتَه مِن قبل, قَسَمَتْ قلبه نصفيْن ولم تترُكْ له إلّا ذلكَ النصفَ القاسيَ الذي يتمنّى الانتقام، كانَ يفسَخُ الخطبة دائمًا فهذا يُشْعِرُهُ بالسّعادة ونَشْوَةِ الانتصار.
أَقْسَمَ لي أنَّهُ كانَ يَنْوِي أنْ يُكْمِلَ حياتَه معي وَأَحَبَّنِي بِصِدق, لكنِّي لم أُصَدِّقْ حرْفًا واحدًا مِمّا قالَ، لم يكُنْ قلبي المُتَحَكِّمَ وقتَها بلْ كرامتي.

يتبع ….

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق