الجمعة، 5 فبراير 2016

من ذاكرة الجنرال

في الفترة المسائية لاحد ايام ربيع 1973 كنت اعمل في ادارة البحث الجنائي بمديرية امن الجيزة...استدعاني المرحوم العقيد احمد فهمي رئيس المباحث الجنائية و كلفني بالتوجه الي خدمة هامة بمزرعة السيد درويش الذي كان ويرا للسياحة في ذلك الوقت للاشراف علي الخدمة السرية اثناء زيارة السيد الهادي نويرة رئيس وزراء تونس و الوفد المرافق له و ان السيد عزيز صدقي رئيس وزراء مصر في هذا الوقت و بعض المسئوليين المصريين سوف يكونوا في استقبال الزائريين...و اثناء اعطائي لتعلميات الخدمة نظر الي السيد العقيد احمد فهمي مشفقا علي من تلك المهمة فقد كان مكان الزيارة بفيلا في منطقة كانت نائية في هذا الوقت بطريق مصر اسكندرية الصحراوي..الموجود بها حاليا فندق الواحة و المنطقة المحيطة به.
و اضاف سيادته ان هذه الخدمة ابلغ يها منذ ساعة واحدة فقط و اها سوف تبدأ الساعة العاشرة مساءا..
استقلبت سيترة لوري كبيرة و معي مجموعة من الشرطة السريين ..كانت السيارة مجهزة باللاسلكي..و بعد ساعة زمن وصلت الي الفيلا..كانت تتوسط حديقة مولح كبيرة..كانت المنطقة تفوح فيها رائحة زهور الموالح المزروعة بكثافة في تلك المنطقة..قمت بتوزيع الشرطة السريين في اماكنهم ..وصل بعض رجال الامن من بعض الاجهزة الامنية الاخري..كنت اعرف بعضهم..جلس الضباط المعنيين بالخدمة علي منضدة بالحديقة المجاورة للفيلا المحدد بها مكان استقبال الضيوف..بعد نصف ساعة توالي وصول الضيوف..و بعد نصف ساعة اخري وصلت سيارة كاديلاك فاخرة..صاح احد الجالسين معنا..دي سيارة ام كلثوم..توقفت السيارة امام الفيلا و نزلت منها كوكب الشرق ام كلثوم وحدها..كانت مفاجأه..كنت احلم منذ طفولتي و مطلع شبابي ان احضر حفل لسيدة الغناء ام كلثوم..قلت في سري..الحمد لله تحقق نصف حلمي و شاهدت الست ام كلثوم عن قرب..بعد نصف ساعة اخري استمعنا الي صوت ام كلثوم و هي تغني انت عمري..كنا نجلس علس مسافة لا تزيد عن عدة امتار عن الفيلا..الا اننا تساءلنا من جاءت الفرقة الموسيقية؟!..و تسللت ببطئ حتى اقتربت من باب الفيلا..كانت سيدة الغناء تجلس و معها بعض السيدات بالصالون و بالقي الضيوف يجلسون بالقرب منها في بهو الاستقبال..اكتشفت ان ام كلثوم تغني علي صوت جهاز مسجل عليه موسيقي الاغاني..كانت مفاحأه مهولة بالنسبة لي...الحميع مشغولين بمتابعة الست...و دون ان ادري تسللت بهدوء داخل الفيلا حتي وصلت حيث يجلس مجموعة من شباب الحرس التونسي المرافقين للزائرين.. و من كرم الله دعاني احدهم للجلوس جانبه..لم اتردد في الجلوس..بمرور الوقت اندمجت مع غناء العملاقة ام كلثوم..اخيرا تحقق النصف الثاني و هلهي ام كلثوم تغني امامي علي مسافة اقل من عشرة امتار..و بناء على رغبة الضيوف..غنت ام كلثوم الاطلال..و ما بين الاغنيتين..تحدثت سيدة الغناء مع رئيس الوزراء التونسي و المصري و بعض الضيوف..وجدتها سيدة لبقة..شامخة..تجيد الحديث و النكتة..عندما تتحدث يصمت و يتطلع لها الجميع..كانت سهرة لا تنسي..استمرت حتي فجر اليوم التالي..انصرفت و انا احدث نفسي..كم كانت خدمة مهمة و نادرة..لم اكن احلم بها..و في ظهر اليوم التالي قابلت السيد العقيد احمد فهمي رئيس المباحث نظر لي بإشفاق مردداً..كان الله في عونك..فابتسمت و حكيت له بهدوء تفصيلات ما حدث..فانصرف مرددا..حظوظ!..و كانت ايام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق