الأحد، 19 يوليو 2015

سرقنى بعينيىه 2

عاد الجميع بعد أن ماطلوا بما يكفي في الوقت حتى يتسنى لنا معرفة بعضنا البعض ثم استأذنوا بالرحيل وودعني سمير بنظرة يملؤها الحنان كانت تبعث بداخلي إحساساً يجعلني سعيدة لكن لا يلبث أن يشعرني بالقلق.
غادر الجميع ووعدوا بزيارة قريبة وقد أصبح أبي وخاله شكري صديقين جدا , وقد أعطاه أبي ذلك الكتاب الذي أعجبه في مكتبة بيتنا والتي نادرا ما يخرج منها كتاب إلي شخص غريب , أشعرني هذا بالراحة حقا فلست الوحيدة التي تتصرف على نحو غريب.
لم أستطع النوم في تلك الليلة وجلست أقرأ في أحد الكتب إلي أن غلبني النوم , وفي الصباح الباكر توقعت أن يبدأ أبي الحديث عن هذا الموضوع لكنه لم يفعل ...أراد أن يترك لي الوقت الكافي لأفكر وقد كان ...
لكن سمعت خلسة هذا الحوار الدائر بين أبي وأمي وهما جالسان أمام التلفاز ..
أبي : ما رأيك يا أم جميلة بالعريس ؟
أمي : والله الولد وعيلتة طيبين إلا إن جميلة صغيرة .
تردد أبي قليلا قائلا: ليست صغيرة , إنها فتاة جامعية ناضجة .
وكما لو كان كلام أبي قد شجع أمي كثيرا فردت قائلة : كما ترى زوجي الحبيب . أتمني أن أراها عروساً اليوم قبل الغد , ولكني أخشي صغر سنها ...... لازالت صغيرة .
أبي: دعك من هذا , إنه شاب ممتاز طيب , دخل قلبي , وليست صغيرة إنها كبيرة بما يكفي , وما رأي جميلة إذن ؟؟
أمي : الحقيقة لم أسألها أو أتناقش معها بعد , تركت لها وقتاً للتفكير .
رد والدي : إذن اسأليها وتكلمي معها لتعرفي رأيها .
عدت مسرعة إلي غرفتي بعد أن سمعت المختصر المفيد , كان بداخلي شعور يجمع ما بين الفرحه و الإحتراس .
دائما أشعر أن أكثر ما يسعد الإنسان هو ما يجب أن يخشاه ,لكني تناسيت تماما ذلك الشعوروأعلنت موافقتي .
وهكذا بدأت قصتي الخيالية والتي اعتقدت أنها ستنتهي بالسعادة إلي الأبد . وتم الاتفاق وتحديد ما يلزم , كما تحدد موعد خطبتي أيضاً , سرقتني الفرحة الغامرة ,لم أهتم طبعا بتلك التفاصيل (اين سأقيم الحفل او لون الفستان ..... الخ ) كنت مع إنسان أخذني إلي عالم آخر بتفكيره وأسلوبه وجنونه أو ربما تشجيعه لجنوني .
أذكر في احدي المرات التي خرجنا فيها سويا في عشاء رومانسي رائع سألته : ما أكثر بلد تحبه وتود أن تسافر إليه ؟
تفاجأت بإجابته الحازمة :روسيا أو ربما القطب الشمالي فأنا أعشق الصقيع
انتزعني من اندهاشي قائلا وأنت ؟
أجبته : بيرو حيث المغامرات التي لا تنتهي .
انفجر ضاحكا بالطبع ولن أقول إنه كان من أكثر الأحاديث رومانسية بيننا , فمعظم أحاديثنا كانت عن علم النفس أو الفلسفة أو ربما عن علم التشريح والذي كان من علومي المفضلة , وقد وعدني أن يعلمني كل شئ عن التشريح , لا أتذكر متي فرحت على هذا النحو من قبل , اعتقدت أن الحياة أعطتني أكثر مما ينبغي ولكن السعادة لا تكون للأبد ......
توفيت جدة سمير قبل موعد الخطبة بأيام , وتم تأجيلها طبعا ,وقد تأثرسمير كثيرا لموتها .
لم تدمع عيناه ولم يتكلم مع أحد ولا حتى معي .
حزنت كثيرا لوفاتها فقد كانت سيدة ذات طابع راق وعقلية فذة , أحببتها كثيرا واعتقدت أنها أيضا أحبتني ,حزنت كثيراً لخسارتها وحزنت أكثر من أجل سمير الذي لم يستطع أي أحد مواساته. مر أكثر من شهر لم نتقابل أو نتحدث خلاله إلا قليلا . كم تمنيت لو أن هناك أي شئ أفعله من الممكن أن يخفف عنه ذلك الحزن, لكنه كان عصبياً جدا في تلك الفترة و تغيرت طباعه كثيرا.
أتى سمير إلي بيتنا في أحد الأيام , قال مباشره : لقد أصبحت وحيداً يا عمي، وأعلم جيداً أن الاتفاق كان الزواج بعد عامين وأحترم الاتفاق طبعا ولكنها أصبحت مدة طويلة على فتى أصبح وحيدا تماما . أومأ والدي برأسه موافقا له في كلامه ملقيا بعض عبارات المواساة ثم أكمل سمير: أريد جميلة يا عمي بحقيبه ملابسها لا أكثر أو اقل , سنبني مستقبلنا معاً إن شاء الله .
أعجبت جدا بكلامه وعقليته المتزنة أسر قلبي من أول نظرة كما أعجب والدي كثيرا بحديثه وطلب منه فرصة للتفكير, وانصرف سمير .
نظر أبي إلي أمي ليسألها رأيها إلا أنها أبدت رفضها معللة بأني مازلت صغيرة , استشعر أبي موافقتي من عيني , فلم يسألني , اكتفي بالنظر إلي صممت والدتي علي الرفض ولم يستطع أبي إقناعها ولم أستطع أيضا الحصول على رضاها بعد محاولات مستمرة ,كان علي الانصياع لرغبة أمي , أبلغهم والدي رفضنا وعليه الانتظار حسب الاتفاق.... وأنفصلنا .
أخبرني بأنه لن ينساني وأنه سيعود بعد إنهاء دراسته بالخارج و أن علي الانتظار وكل شئ نصيب بالأول والأخير. كثير من الوعود ... لكني لم أرد التصديق .
فقط أنا وعدت بأن هذا الحب لن ينتهي من حياتي وانقطعت الأخبار .... لم أسال عنه حتى ... ولكني كنت أستشعر وجوده , دائما كان هناك شئ يحركني تجاهه ,ظل حبه في قلبي سراً ولم أستطع إنهاء هذا الفصل من حياتي .
ومضى عام ... وعلمت أنه عاد وعلمت ايضا انه مازال وحيداً لم يخطب وانتظرته يهاتفني وترددت كثيراً في أن أهاتفه , ولكنه لم يتصل بي ومضي الكثير من الوقت بين التردد , ومن ثم سمعنا عن حادث على الطريق السريع راح ضحيته شاب , كان حادث مروع ,أثار أسى وحزن الناس, ولكن حزني كان مضاعفاً عندما علمت أن هذا الشاب هو سمير.
تمنيت لو كنت سمعت صوته تمنيت لو لم أتردد , ولكن كان علي إخفاء أحاسيسي بإبتسامة لأني كنت أملك من المشاعر ما لا يستوعبه غيري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق