السبت، 23 يوليو 2016

ابله الناظره الجزء الاول من ذاكرة الجنرال

أبله الناظره .............................وكرتونة الكراكيب
أستأذنكم اليوم فى كتابة قصه حقيقيه من خزينة الذكريات عشتها بأحداثها وشخوصها منذ اكثر من اربعون عاما ..لكنها لم تنمحى من ذاكرتى ...واستأذنكم ايضا فى اننى لن استطيع تلخيصها فى حلقه واحده كما عودتكم فى القصص السابقه ...لأنها طويله ..عاشت معى ولازمتنى لسنوات وسنوات ...لذا فقد تكون على حلقتين او ثلاثه فى ايام متتاليه انشاء الله ..حتى استطيع ان اوصل معناها ومغذاها لحضراتكم...
فى احد ايام شهر يونيو سنة 1973 استدعانى لمكتبه المرحوم العقيد احمد فهمى سيد على ..رئيس المباحث الجنائيه لمديرية امن الجيزه .. كنت اعمل فى وحدة جرائم المال ..كان رحمه الله من الاساتذة الافاضل فى مجال البحث الجنائى ..لتميزه بالكياسه وحسن الخلق والفطنه ...كنت قد اشتغلت معه لثلاث سنوات سابقه ويعرفنى جيدا ..و احترمه واقدره على المستوى الشخصى ... ...استقبلنى بوجهه البشوش ..كانت تجلس امامه سيده وقوره فى الستينات من عمرها ترتدى نظاره طبيه وملابس غامقه ...تقترب فى هيئتها من شخصية المعلمه ..عرفنى بها ..الاستاذه .....ناظرة مدرسة .......للبنات ...وصدق حسى وتوقعى فهى كما توقعت ...معلمه ..فمنذ ان عملت فى هذه المهنه ...تعودت على التوقع والاستنتاج ..حتى فى ابسط الامور ...قال لى بإيجاز ...الاستاذه تعرضت لحادث نصب ..وقد اخترتك لبذل الجهد اللازم فى التوصل للجناه والمسروقات.... ونظر لى بجديته المعهوده ...اتفضل ربنا يوفقك ...اديت التحيه العسكريه وانصرفت ...اصطحبتها لمكتبى الذى كان يقع بالطابق الرابع بمبنى مديرية امن الجيزه بجوار حديقة الاورمان ...جلست امامى واستأذنتها لدقائق قليله حتى اتفرغ لها بعد انهاء بعض اعمالى ...كانت السيده شاردة النظرات ...حزينه .. ترمقنى من خلف نظارتها الطبيه ...بعد انتهائى ...رحبت بها واستدعيت عامل البوفيه وسألتها ..تشربى ايه ؟...ردت بهدوء ...قهوه على الريحه ...اعدت الترحيب بها ..كان من اهم الدروس التى تعلمتها وتدربت عليها ..وانا ضابط حديث العهد بالخدمه ...حسن استقبال المجنى عليه والعمل على تهدئته حتى يمكنه سرد تفصيلات بلاغه بتركيز شديد ...وصولا لاى تفصيلات ولو كانت بسيطه او صغيره ...قد تفيد فى الوصول للحقيقه ....تحدثت مع ...ابله الناظره ...بعد ان استأذنتها فى منادتها بهذه التسميه التى اثارت ارتياحها ......ذكرت انها كانت تسير ظهر اليوم بشارع المساحه بمنطقة الدقى ...استوقفها شاب بطريقه عفويه ... يتحدث اللغه العربيه بلكنه شاميه وسألها...عن وجود صائغ فى تلك المنطقه ...وبمجرد ذكر كلمة صائغ ..كنت قادر تماما على استكمال القصه ...فقد سمعتها عشرات المرات والتى يعرفها كل من اشتغل فى مكافحة جرائم النصب ...ومع ذلك تركتها تحكى وتسرد التفاصيل ....هذا النوع من جرائم النصب ..اصطلح على تسميته فى عالم البحث الجنائى ...بالسرقه بالطريقه الامريكيه ...لان اول من استحدث تلك الطريقه هم الامريكيين فى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ...حيث كان اللصوص يستقبلون المهاجرين الجدد القادميين من الشرق مستغلين سذاجتهم وجهلهم بالمجتمع الامريكى والاستيلاء على اموالهم ومدخراتهم بحيل واساليب اجراميه جديده عليهم .....وتتلخص هذه الوسيله فى استغلال جهل المهاجرين فى التفرقه بين الذهب الحقيقى والنحاس المطلى بالذهب واستبدال الذهب الحقيقى الذى يرتديه المهاجرين بالنحاس المطلى بالذهب الذى يقدمه اللص المحترف بعد ان يقنع الضحيه بأنه قد فاز بكنز ثمين وصفقة العمر لضخامة وثقل زن النحاس المطلى بالذهب ......عرف ضعاف النفوس فى مجتمعاتنا هذا الاسلوب وتطورت وسيلة ارتكاب هذا النوع من الجرائم فيما يتناسب مع مجتمعاتنا العربيه ......وتلخص الاسلوب او السيناريو الذى يستخدمه اللصوص لدينا ...بالاتى... يبدأ بإختيار الضحيه وتكون فى اغلب الاحوال سيده ترتدى ذهب حقيقى ...سواء خاتم ...اسوره ...قرط ...سلسله ولدى هؤلاء اللصوص قدره مهوله على التقاط و مشاهدة الذهب الحر من اى مسافه والتفرقه بين الذهب الحر والمقلد ...ثم الاقتراب منها ويسألها ببساطه وعفويه وهذا الفشخص يسمى فى عالم الجريمه (النغام) بمعنى انه يجيد الكلام ..ويتحدث بلكنه شاميه حتى يوحى لها بأنه اجنبى غريب ...ويحكى لها انه خطب بنت مصريه واشترى لها شبكه غاليه الا ان اهلها رفضوا الخطوبه بعد ان استولوا على الهدايا وطردوه بعد ان اعادوا له الشبكه (اسورتين نحاس مطليه بالذهب)وانه توجه لاعادتها للصائغ الذى رفض اعادة ثمنها لعدم وجود فاتورة الشراء.... وانه يريد اى مبلغ مالى حتى يمكنه شراء تذكرة سفر والعوده لاهله ...هنا يتقدم الشخص الثانى فى العصابة ويلقب ب (الدقاق) ويتدخل فى الحديث ويعرض عليه توصيله لصائغ يعرفه وينادى على تاكسى ...يقوده المتهم الثالث فى العصابه ..ويتحدث الاخيرين بأن الاساور الذهبيه (الشبكه) ثقيله وتساوى مبلغ كبير مما تثير لعاب الضحيه ...وهنا تقع الضحيه فى الفخ وتعرض ان تعطيه الخاتم او السلسله او القرط الذهب الحقيقى وفى ثوانى معدوده يحدث التبادل ...وتأخذ الاسورتين وتهرب سعيده بتلك الصفقه العظيمه ...وينصرف كل لحاله وبعد ذلك تكتشف الضحيه الكارثه التى حلت بها وانها كانت ضحيه ..للطمع والجشع الكاذب ... واثناء سرد ابله الناظره ..سألتها ...اخدوا منك ايه ....فأجابت فى حسره ..خاتمى .. واخذت توصفه بدقه بالغه ..كما لو كانت تتغزل فيه ...ثم قالت ...سأقول لك شى محزن ...انه خاتم زواجى ..اهداه لى زوجى رحمه الله منذ اكثر من اربعون عاما ...وبكت بحسره ...حاولت ان اسرى عنها ..قلت لها ...ما حدث لك من الممكن ان يحدث لاى شخص ايا كان ...لا تحزنى ..سأعمل قد استطاعتى وطاقتى على القيض على المجرمين واسترداد هذا الخاتم ...كنت اعرف جيدا ان المشغولات الذهبيه يسهل جدا التصرف فيها ...لكننى اردت ان اخفف عنها ..قلت لها ان هؤلاء المجرمين على درجه عاليه من المهاره ..حتى اننى خرجت مع بعضهم فى مأموريات رسميه وتحت حراسه مشدده على سبيل التجربه والمشاهده ...فبعض الضحايا كانوا يدعون انهم سرقوا تحت تأثير التخدير ...الا ان التجربه والمشاهده اكدت عدم صدق هذا ....فكانو يطلبوا منى ان اختار الضحيه التى سوف نجرى عليها التجربه ..والغريب انهم لم يفشلوا مرة واحده فى التفرقه بين الذهب الحقيقي والمقلد وكذا اختيار الضحيه ...حتى ان بعض الضحايا عندما كنت اتدخل لانهاء التمثيليه وافهامهم بحقيقة الامر ...كانوا لا يصدقونى ...فالطمع الانسانى ...نقطه ضعف خطيره جدا تثير لعاب الناس مهما كانت درجة ثقافتهم وانتماءاتهم الطبقيه ...ومن خلال وصفها لمرتكبوا الحادث وتحليل اسلوبهم الاجرامى وعرض صور المشتبه بهم والمسجليين ....اشتبهت صوره احدهم ....كان اسمه عباس على ما اتذكر ...صبى جزار بباب الشعريه ...اعددت خطه للبحث عنه وضبطه ...وانصرفت ابله الناظره بعد ان وعدتها ان ابذل قدر طاقتى وانصرفت بعد تحرير محضر بالواقعه .......وللحديث بقيه ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق