السبت، 23 يوليو 2016

ابله الناظره الجزء الثانى من ذاكرة الجنرال

.....استكمالا لحكاية ...ابله الناظره .......وكرتونة الكراكيب .........
قمت بعمل التحريات وعمل العديد من الاكمنه لضبط المشتبه فيه ...عباس ...ابن باب الشعريه ...وكذا تكثيف اجراءات البحث ومهاجمة الاماكن التى يحتمل تردده واختباؤه فيها ...الا انه يبدو ان المشتبه به استشعر بالخطر نتيجه تكثيف جهود البحث وتضيق الخناق عليه ...وعلى رأى المثل الشعبى ...فص ملح وداب ...ولم يحالفنا التوفيق لضبطه ...ساعده على ذلك هروبه للحدود الليبيه التى كان مفتوحه على مصراعيها خلال هذه الفتره ...فى السنوات الاولى للثوره الليبيه ....ثم تردد بين بعض العائدين انهم شاهدوه..فى احدى البلدات اللييبيه...كنت حزين لعدم ضبط تلك القضيه ...بالرغم من علمى تماما ..ان التوفيق والحظ يلعب دور كبير فى مثل هذه الاحوال ...فقد كنت اود واللع اعلم ان ارسم بسمة السعاده على وجه هذه السيده المسكينه التى ضربت فى شى ء عزيز لديها ...كانت ابله الناظره خلال هذه الفتره تتردد على ...وكنت اطلعها اول بأول على جهود البحث ...وفى نهاية الامر قالت لى وهى تبتسم ...يبدو ان مفيش نصيب ....اعتدت ان اراها فى مكتبى وتتناول فنجان القهوه الساده ...حتى ان عامل البوفيه وبناء على تعليمات منى كان يقوم بضيافتها حتى لو لم اكن موجود ...حاولت ان اعتذر لها لشعورى بقدر من تأنيب الضمير الا انها بادرتنى ....انت بذلت كل ما تستطيع ان تفعله ...لكنها ارادة الله ....فى نهاية شهر يوليو صدرت حركة التنقلات ونشرت فى الصحف ..حيث نقلت الى مديريرية امن اسيوط ...كما كنت اتوقع ...وتحدد لتنفيذ الحركه ..يوم 20 اغسطس ......قبل التنفيذ بعدة ايام ..حضرت لمكتبى ابله الناظره ...قالت لى عرفت من الصحف انك نقلت الى اسيوط ..فحضرت لتوديعك ...شكرتها على مشاعرها الطيبه ...فوجئت بها تقدم لى علبه كرتون صغيره ...فلما رأت علامات الاستعجاب والدهشه على وجهى فتحتها وهى تقول هذه تذكار اقدمه لك حتى تتذكرنى ...كان عباره عن كنكة قهوه لفنجان واحد وكذا فنجان قهوه واحد وصينيه معدن لفنجان واحد وكذا ملعقه صغيره ...اظهرت لها مدى سعادتى بتلك الهديه الجميله وشكرتها على مدى تقديرها لى ...قالت لى ...بمناسبة انتقالك لعملك الجديد ..اردت ان اقدم لك شىء بسيط حتى اطمئن انك لن تشرب قهوتك من فنجان يشرب منه غيرك ...شكرتها مرة اخرى على مشاعرها الطيبه ...ثم استكملت حديثها ..على فكره المرحومه والدتى كانت صعيديه من اسيوط وكثيرا ما حضر النا بعض اقاربها الا اننى لم ازور اسيوط ابدا ....سأقول لك شىء ...ستنجح فى عملك الجديد انشاء الله ..لكننى انصحك ..احترم الصعايده وقدر مشاعرهم ...حب عملك وتفانى فى خدمة الناس ...شجعتنى بكلمات لازلت اذكر بعضها ...ثم انتصبت بقامتها القصيره ورمقتنى من خلف نظارتها الطبيه ...وقالت كما لو كنت طالب اقف امامها ...وبلهجه شبه امره ...اتكل على الله وسوف اسمع عنك ..كل خير بإذن الله ..وخرجت من باب المكتب ...ثم عادت كما لو كانت قد نسيت شىء ...وقالت بحنو إم .....ارجوك ....خلى بالك من نفسك ...وانصرفت ولم اراها مرة اخرى ....
عند اعداد اغراضى واوراقى لتنفيذ قرار النقل وهى عباره عن الادوات الكتابيه والاقلام وعلبة الكربون ...ويافطة اسمى وبعض الكتب والمذكرات الشرطيه والقانونيه والراديو الترانسستور ..نظرت الى هدية ابله الناظره وفكرت فعلا فى اهدائها لاحد الزملاء الا اننى تراجعت وقررت ان اصحبها معى فى عملى الجديد بمركز ساحل سليم بأسيوط ..ووضعت كل اغراضى فى كرتونه مربعة ..اطلقت عليها اسم كرتونة الكراكيب...
سافرت الى اسيوط وافرغت الكرتونه ...ووضعت طاقم القهوه على منضده صغيره مجاوره لمكتبى ...عرفها عامل بوفيه المركز واصبح يقدم لى فنجان القهوه الصباحى الوحيد دون ان يسألنى ..كنت كثيرا ما اتذكر السيده الفاضله صاحبة تلك الهديه ...وبرغم ساعدتى كنت اشعر احيانا بالاسف لانى لم اتمكن من اسعادها بإعادة خاتم زواجها ...ومع الايام اصبحت ابله الناظره مجرد زكرى ...حتى ان اسمها الحقيقي لم اعد اتذكره ...
فى احد ايام سنة 1975 وعند مطالعتى جريدة الاهرام شاهدت صورة ابله الناظره بصفحة الوفيات ....اعادت تلك الصفحة شريط الذكريات ....ومنذ هذا اليوم اصبح لطاقم قهوة ...ابله الناظره معنى اخر ...تماما ...ذاد اعتزازى له بصوره كبيره ..كنت اتمم على محتوياته بصفه دوريه ..كلما انظر اليه اتذكر كلماتها ونصائحها ...واصبح لهذه الذكرى معنى خاص اعتز به ...حتى ان مأمور مركز ساحل سليم سألنى عنه يوما ولم اجبه ..لم اجبه لشعورى بخصوصية هذا الطاقم بالنسبه لى ...
ظل هذا الطاقم اضعه فى كرتونة الكراكيب عندما انقل لعمل جديد...ولازمنى فى كل مكان عملت به ...25 سنه بالتمام والكمال ...ربع قرن ...كان معى بساحل سليم و أكاديمية الشرطه ...ومباحث الجيزه ...وحرس الجامعه ....والاداره العامه لحماية الاداب ...اصبح هذا الطاقم هو الشىء الوحيد القابع على منضدة صغيره بجوار مكتبى ...عنما انظر اليه اجتر الذكريات ..حتى بعد ان اقلعت عن شرب القهوه ..ظل صديقى الذى يلازمنى اينما ذهبت ...اصبح شاهد على تاريخى فى جهاز الشرطه ...اصبح رمز لنصائح بسيطه من سيده جميله رحلت عن عالمنا منذ زمن بعيد ... كنت ولازلت اشعر بمزاملته ومشاركته لى فى رحلتى الطويله المثيره ....
منذ عدة ايام كنت اعبث ببعض محتويات كرتونتى العجيبه ..كرتونة الذكريات ...فسألتنى ابنتى بإستغراب ....ايه حكاية طقم القهوه الغريب ده ؟ قلت لها... جزء من اغلى ذكرياتى اعرفه قبل ان اعرفك بسنين طويله ...قالت ..ممكن تحكيلى حكايته ؟ قلت لها ..اسف يا ابنتى لن احكيه لان دموعى سوف تغلبنى ...دعينى أكتبه ..واقرئيه ...قالت ...ابى هل توافقنى فى حصر محتويات تلك الكرتونه السحريه ؟؟....قلت لها اسف ممنوع اللمس ...مين عارف ...ربما اكتب عن محتوياتها يوما ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق