الجمعة، 26 يناير 2018

الوهم الافتراضي



اسراء ابوزيد
لاشكّ أنّ ملامح الحياة البشريّة قد تغيّرت تغيّرات جوهريّة ملموسة مع تطوّر وسائل الاتصال الحديثة والمعاصرة. على سبيل التمثيل لا الحصر، حلّت الرسائل الإلكترونيّة محلّ الرسائل الخطيّة، وزاحمت "غرف الدردشة" الإلكترونيّة الجلسات والمجالس العائليّة والاجتماعيّة، ولم يعد السفر شرطاً لرؤية الأصدقاء أو سماع أصواتهم أو للبيع والشراء أو الدراسة تهدمت اوصال الاسره المصرية واختفي الكثيرمن العادات والتقاليد.
كما انة لاسبيل إلى اختزال كل ما وقع من تغيّرات تجاوزت البشريّة من خلالها حدود الزمان والمكان والجغرافيا، ولا إلى الإسهاب في تناول وسائل الاتصال الحديثةتاريخها وتطوّرها وأنواعها وتأثيراتها. من آثار تلك التقنيات والوسائل نشأة ما أصبح يعرف بالفضاء الإلكتروني أو الرمزي cyberspace الذي يضمّ عدداّ كبيراًّ من المجتمعات الافتراضية – بداية من غرف الدردشة والمجموعات البريدية وانتهاء بتويتر Twitter والفيسبوك، وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبدو أنّ البشر طوال تاريخهم ظلّوا يبحثون عن عالم مواز يعبّرون فيه عما لا يستطيعون أن يعبّروا عنه في عالمهم الواقعي، ويحقّقون من خلاله ما لا يستطيعون تحقيقه في حيواتهم المحدودة بقيود الزمان والمكان والقواعد والتنظيمات الاجتماعيّة.
تعريف المجتمع الافتراضي
ظهر المصطلح في صورته الإنجليزية عنواناً لكتاب هووارد راينجولد Rheingold (1993) ويعني جماعة من البشر تربطهم اهتمامات مشتركة، ولا تربطهم بالضرورة حدود جغرافيّة أو أواصر عرقيّة أو قبليّة أو سياسيّة أو دينيّة، يتفاعلون عبر وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، ويطوّرون فيما بينهم شروط الانتساب إلى الجماعة وقواعد الدخول والخروج وآليات التعامل والقواعد والأخلاقيات التي ينبغي مراعاتها. وبتعبير دي موور ووايجاند de Moor and Weigand (2007) المجتمع الافتراضي هو "نظام اجتماعي تكنولوجي".
من الجدير بالذكر انه لا يحدث التواصل في المجتمعات الافتراضية وجها لوجه face-to-face، بل من خلال قنوات اتصال إلكترونيّة تستخدم فيها الكلمة والصورة والصوت، أو ما ينتج عن مزج هذه الطرائق. إنّ الكتابة حالة من التواصل لا يُسمَع فيها صوت ولا تُرى فيها صورة, وقد وفَّرت وسائل الاتصال الحديثة التفاعل بالصوت والصورة، غير أنّ التفاعل من خلال هذه الوسائل والوسائط يظلّ يفتقر إلى دفء المشاعر الإنسانيّة وحميميّتها.
نمو المجتمع الافتراضي
تسعى المجتمعات الافتراضيّة إلى خلق ما يسميه المهتمون بهذا الشأن الشعور بالمجتمع أو الجماعة أو sense of community (SOC). من أين ينبع الإحساس بالمجتمع أو الجماعة؟ يوجز ماكميلان وتشافيز McMillan and Chavis (1986) العوامل التي ينشأ من خلالها هذا الإحساس فيما يلي:
·       الشعور بالانتماء belonging إلى جماعة من خلال عضويتها ومتابعة ما يحدث فيها وسهولة التفاعل مع أفرادها وأحداثها.
·       الشعور بالقدرة على التأثير influence/ impactفي تلك الجماعة أو المجتمع الافتراضي من خلال ردود الأفعال التي يتلقّاها الفرد من بقية أعضاء الجماعة أو أفراد المجتمع الافتراضي، وكذلك التأثّر بما يحدث في ذلك المجتمع.
·       تبادل الدعم support وإشباع الحاجات النفسيّة والشعوريّة والارتباط الوجداني بأفراد الجماعة من خلال تبادل التهاني والتعازي والمواساة والنصيحة وبطاقات المعايدة وما إلى ذلك.
·       حضور والتواجد availability، وهما نقيض العزلة والغياب اللذين نتجا عن هيمنة القيم الماديّة وانشغال الجميع بتأمين أسباب الحياة. لا يُتصوّر أن يبقى المرء طويلا في مجتمع افتراضي ليس فيه من يتواصل معه فلا يسمع فيه إلا صدى صوته. سوف نلاحظ في باب الكلام عن سمات المجتمعات الافتراضيّة أنَّ الحضور والتواجد الافتراضي ربّما ينتهي إلى عزلة وغياب عن العالم الواقعي.
·       الثقة trust. لا يستطيع الفرد أن يشعر بالانتماء إلى جماعة أو مجتمع لا يثق في أحد من أفراده ولا يشعر بالأمان فيه. من هنا تبقى المجتمعات الافتراضيّة في مُجمَلِهَا هَشّة ما لم تتأسس على علاقات سابقة في العالم الواقعي وما لم تحفظ سكّانها من تطفّل المتطفّلين واحتيال المحتالين. لا بُدّ أن يبذل أفراد المجتمعات الافتراضيّة جهداً مُضنِياً في التحقّق من هويّات من يتفاعلون معهم، ما لم يكن هناك سابق عهد أو "معرفة" على أرض الواقع، فعواقب الوقوع في براثن المحتالين قد تكون وخيمة. في سبيل الشعور بالثقّة، يلجأ مستخدمو المواقع الاجتماعيّة وسكّان المجتمعات الافتراضيّة إلى أصدقائهم في عالم الواقع. ومن أسباب الثقّة انتماء الأفراد إلى مؤسسات معروفة حسنة السمعة، ومنها أن يكون هؤلاء الأفراد أنفسهم من الشخصيّات العامة. وفي مناقشة الصداقة على "الفيسبوك" مزيد من التفاصيل.
·       الخلفيّة المُشتَركَة common background. تزداد قوّة العلاقات الافتراضيّة كلما تأسست على خلفيّة مُشتركة في العالم الواقعي أو على اهتمامات وهوايات وميول مُشتركة في العالم الافتراضي. لعلنا نلاحظ أن مواقع التواصل الاجتماعي والخدمات الإلكترونيّة يتجمّع فيها الأفراد من الخلفيّات العلميّة والمهنيّة والتجاريّة المشتركة من منطلق أنّ "الطيور على أشكالها تقع". وقد تنشأ تجمّعات افتراضيّة حول قضيّة أو "نجم" من نجوم الفنِّ أو الرياضة أو حول مفكّر أوعالم أو شخصيّة سياسيّة.
ومن الملاحظ هنا أن تحقّقَ تلك الأسباب - أي أسباب الشعور بالمجتمع أو الجماعة - في العالم الواقعي يقلِّل من لجوء الأفراد إلى المجتمعات الافتراضية، فالذين تحفل حيواتهم بالعمل والنشاط، ويعيشون حياة أسريّة مستقرّة، ولهم علاقات اجتماعية مثمرة ويشعرون بتعاطف المحيطين بهم معهم ويحظون بالقبول في الواقع لا يجدون كثيراً من الوقت للحياة في العالم الافتراضي.
يس هناك ارتباط عكسي حتمي بين الاستقرار والعمل في الواقع وبين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنّ هناك ارتباطاً واضحا بين الفراغ وعدم الإشباع النفسي والاجتماعي في الواقع والانهماك في الحياة في العالم الافتراضي، كما ترد إلى ذلك إشارات أخرى في موضع لاحق.
الصداقات الافتراضية
يبحث كلا منا عمن يروي ظمأ حياتة بكلامات, فتتفاقم احتمالات وقوع كثير من الأزواج في فخاخ العلاقات الافتراضيّة لانشغال احداهما عن الآخر فبدلا من أن يمدَّ الزوج يده بالمساعدة، يهرب إلى عالم من الانبهار الوهميّ،,ومع تطور التكنولوجيا وكثرة استخدام الانترنت ظهر نوع جديد من انواه الحب يسمي الحب الالكتروني او الحب الافتراضي كما احب ان اطلق علية , لانها علاقات غالبا لا يعول عليها لاتدوم ولا تستمر ولا تنتهي.
فالتواصل علي المواقع الافتراضية يختلف تمام الاختلاف عن التواصل بالمجتمع الواقعي وبمعني ممكن تكون متعود تكلم شخص علي الانترنت لكن رؤية الشخص في العالم الواقعي تختلف تماما الانطباعات,يعني لو بترتاح لانسان بالانترنت لا يعني ان رؤيته بالعالم الواقعي ستحمل نفس الانطباع اكيد ستشعر ان الامر به شئ غريب. وهذا ما يسمي بوهم الحب ,البحث عمن يروي ظمأ الحياة
وبناء علية , فهل اثرت مواقع التواصل الاجتماعي علي الكيان الاسري ؟
إن كان سر نجاح قنوات التواصل الاجتماعي وما أسماه "الاعلام البديل" او "التكميلي" يكمن في إزالتها لكافة الحدود والحواجز في عالم افتراضي فبالطبع اثر علي افراد الاسره من اكبرهم لاصغرهم من الاباء الي الابناء , ومن هنا يتطلب الامر تبني برامج ومبادرات عربية تثقف النشء بكيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي وتربيتهم على الايجابيات لتطوير المحتوى الرقمي العربي. بما يعود بالنفع على تعزيز الثقافة والفكر للنهوض بالمجتمعات العربية وتدعيم المفهوم الجديد للمواطنة "المواطنة الرقمية" وكيفية تكريس النشء العربي لخدمة مجتمعه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعرفت المواطنة الرقمية بأنها مفهوم عالمي جديد للتربية الرقمية للأطفال والشباب وكيفية استخدام التكنولوجيا بالشكل الأمثل في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية المتسارعة جدا، واصفاً الاعلام الجديد بـ "الصياغة المستقبلية للصناعة الإعلامية.. والعمل الرئيسة لعالم المستقبل".
المواطنة الرقمية تكمن في ان الاعلام الجديد أصبح محور حياة الصغير قبل الكبير، خاصة وان معدل تعرض النشء لوسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي تصل الى ست أو سبع ساعات يوميا، تصل أقصاها الى 12 ساعة يوميا، اي ما يعادل نصف يوم كامل، لافتا الى ان ذلك الانكشاف الضخم على الانترنت له أثره الفكري والثقافي على الأطفال والشباب.
وترتكز المواطنة الرقمية، ، على تسعة عناصر ابرزها فن أو سلوب التعامل مع الآخرين عبر الاعلام الجديد (الايتيكيت)، مراعاة الحقوق والمسئوليات، احترام القانون وحقوق الملكية الفكرية، وتحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ من البداية.
نشر مفهوم المواطنة الرقمية أن يحد كثيرا من ظاهرة الايذاء الرقمي ويمنح الاطفال غطاء حمائيا مدعما بالتربية الصحيحة، حيث اكدت دراسة أمريكية أ مؤخرا ان 50% من أطفال الولايات المتحدة يتعرضون للإيذاء الرقمي.

مستقبل المواطنة الرقمية
المواطنة الرقمية في العالم العربي يجب ان تعنى بتفعيل مشاركة النشء في بناء مجتمعهم وممارسة النشاط المدني على أكمل وجه، بغية الحد من ظواهر الصراخ والتجمهر الالكتروني، وتقليل أعداد العرب الرقميين المتورطين بالكثير من اللغط والمبالغات الخاطئة والسطحية الثقافية والفكرية.

وبالنسبة لطرق وأساليب صناعة الأخبار وترويجها في الإعلام الجديد، متخذا الشبكات الاجتماعية الإخبارية نموذجا.ان الاعلام الجديد غير مفاهيم كثيرة وأدى الى اندماج غير مسبوق بوسائل الإعلام المختلفة فيما بينها حتى صار لها أكبر الأثر في نقل أي معلومة بسرعة جنونية، وبالتالي اصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تملك قوة تفوق بكثير حجم الاعلام التقليدي.وبين صادق ان تطور الاعلام الجديد جاء مع تقدم ادوات تجميع الاخبار الكترونيا واليات التعقب والحس والاضافة والتعديل الإخباري، مستعرضا تقنيات (الويب 2) و رخصة المشاع الإبداعي الخاصة بضمان حقوق الملكية الفكرية على الشبكة العنكبوتية الانترنت.,واخيرا بما  انه لا يمكن السيطرة على ادوات التواصل الاجتماعي نظرا لتشعبها ونموها السريع جدا، فلابد في نفس الوقت ضرورة مواكبة الوطن العربي لتطورات الاعلام الجديد الذي لا يتجاوز عمره عربيا الـ 25 سنة مقارنة مع قرابة ستة عقود كاملة بالدول الغربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق