الجمعة، 26 يناير 2018

طفيل التوكسوبلازما (مرض داء القطط )



الإصابة والوقاية من طفيل التوكسوبلازما  (مرض داء القطط )
د. نورا سليمان الفقى- كلية الطب, د. صبرى على النجار- كلية العلوم

التوكسوبلازسموز أو داء المقوسات (مرض داء القطط) يعتبر من الأمراض الطفيلية التى تتكاثر فى القطط وقد سمي بهذا الإسم نظرا لأن القطط هى التى تحمل الطفيل. والقطط هى العائل الأساسي لهذا الطفيل, بينما تكون الحيوانات ذات الدم الحار هى العائل الوسيط ومنها الإنسان. تنتقل العدوي بهذا المرض الطفيلى من القطط الي الانسان فى كثير من الأحيان. ولو أن الإصابة بهذا الطفيل تكون في معظم الاحيان غير واضحة في الانسان إلا أن هذا الطفيل يصيب المراة في سن الحمل والانجاب ويحدث أضرار بالغة للجنين أو المولود. وعليه نجد أن المرض والإصابة بهذا الطفيل المجهرى (من الأوليات الطفيلية) غير خطير عند اصابة الانسان البالغ صحيح المناعة الا انه يكون خطير جدا اذا أصاب المراة في فترة حملها أو خلال الأشهر قبل الحمل او إصابة انسان ذو مناعة ضعيفة.ويعيش طفيل التكسموبلاسموز ويتكاثر بداخل الخلايا، حيث يستعمر الخلايا المعوية ويتكاثر في أمعاء القطط  بطوره الفعّال أو المسمى بالطور المغتذى "Trophozoite" ، ويتكاثر هذا الطور بشكل سريع جداً، وبإمكانه أن يتضاعف حوالي ألف مرة خلال ستة ساعات. وهذا يفسروجود الأعداد الهائلة التي تفرزها القطة المصابة ضمن برازها حيث ان القطة الواحدة قد تخرج مع البراز عدد كبير من الطفيليات يصل إلى حوالي 100 مليون لكل يوم.
في البراز يأخذ الطفيل شكله الكيسيّ غير الفعّال. وتنتشر الكيّسات المجهريّة الحاوية على الطفيل في الطبيعة بعد خروجها مع براز القطط. ويتمتع هذا الشكل بمقاومة كبيرة للظروف البيئيّة المحيطة به، إذ يمكنه أن يقاوم البرد حتى أربع درجات مئوية لعدة أسابيع ولكنه ضعيف تجاه الحرارة المرتفعة، ويموت عندما يتعرض لدرجة حرارة 45ْ خلال عشرين دقيقة. أما اذا توافرت له الظروف المناخيّة المناسبة من رطوبة ودرجة حرارة يمكنه أن يبقى في التراب لعدة أشهر.
 ينتشر الطفيل بشكله الكيسيّ بواسطة الرياح ويعلق على الخضار والحشائش التي تشكل غذاء اساسى للعديد من الكائنات الحية فيتنتقل إليها عن طريق بلع الماء أو الغذاء الملوث بهذا الطفيل. وفى داخل جسم العائل  تقوم أنزيمات جهاز الهضم بحلّ وهضم الغلاف الكيسيّ فتتحرر وتعود لشكلها الفعّال. وبعد ذلك يتم دخول "التروفوزوئيت – Trophozoite" إلى الدورة الدموية حيث يسمح أولاً بانتشار الطفيل في مختلف الأنسجة ، ويحرّض الجهاز المناعي على تصنيع الأجسام المضادة التي تمنح الجسم مقاومة دائمة ضده فى حالة العدوى مرة أخرى . ومن الجدير بالذكرأن القطة هي الكائن الحي الوحيد الذي يمكنه أن يفرز الطفيل بشكله المُعدي. في حين تبقى الأشكال الكيسيّة بشكل غير مرضي عند الكائنات الأخرى.
تتصف المناعة التي يطورها جسم الإنسان بأنها مناعة خلوية بشكل أساسي، ومضادات الأجسام دورها ثانوي، وهذه المناعة كافية لمقاومة الطفيل في مكانه فيقتصرعلى الأشكال الكيسية غير المرضية في الغالبية العظمى من الحالات، وتحمي الجسم من أي اصابة جديدة. ومن هنا يتميز هذا المرض بأنه لا يمكن أن يصيب الإنسان سوى مرة وحيدة في حياته حيث يستطيع الجسم تكوين مناعة ضد هذا الطفيل.
ولا يضعف أمام هذا الطفيل سوى الأشخاص المصابين بنقص المناعة المكتسبة، والأجنة والأطفال حديثي الولادة حيث لم تتطور عندهم بعد  الجهازالمناعى بصورة كافية لمحاربة الطفيل، ولا تكفي مضادات الأجسام التي أنتجتها الأم لحمايتهم. وفي باقي الحالات يمر هذا الطفيل بشكل غير ملحوظ رغم انتشاره الواسع.
ينتقل المرض عن طريق ملامسة فضلات القطط ، كما أن حويصلة هذا الطفيل صلبة جدا وتستطيع تحمل درجات حرارة تحت الصفر كما تتحمل المنظفات والمطهرات الكيميائية، ويمكنها أن تظل حية في البيئة الخارجية خارج جسم العائل لأكثر من سنة. لكنها حسّاسة لدرجات الحرارة المرتفعة لهذا تموت أثناء الطهي الجيد للطعام. وعادة ما تصاب القطط بالطفيل بعد أكل فأر مصاب بالطفيل ويمكن الإصابة كذلك عن طريق أكل اللحم غير مكتمل الطهو، واللحم غير المشوي جيدا.
الفواكه والخضروات غير المغسولة جيدا والتي تكون مزروعة في تربة يوجد فيها هذا الطفيل يمكن أن تكون من العوامل المسببة للاصابة. كما يمكن انتقال المرض بعد ملامسة اليد للفم, او الأنف, او العين ,أو بعد تقطيع لحوم نية أو غسل فواكه أو خضراوات مصابة بالطفيل. كذلك يمكن انتقال داء القطط بعد شرب حليب ملوث بالطفيل غير مبستر أو عن طريق شرب ماء ملوث. وقد لوحظ أن هذا المرض لا يصيب الانسان فقط بل من الممكن أن يصيب المواشي ايضا.
اعراض الإصابة: فى حالة الإصابة بهذا الطفيل فإن الاعراض الأولية تشبه الى حد كبير أعراض البرد العادي مع وجود تضخم فى الغدد اليمفاوية وآلام في العضلات قد تستمر لمدة شهر. ومعظم المصابين بالطفيل لا يعرفون أنهم أصيبوا به إلا بعد إجراء الفحوصات الازمة. بعد ذلك يدخل الطفيل طور الكمون مادامت صحة الإنسان جيّدة ولا يعاني من مشاكل مع جهازه المناعي.
عند إصابة مرضى الإيدز والأشخاص الذين يتعاطون الأدوية التي تضعف  الجهاز المناعى مثل المرضى الذين أجريت لهم جراحة نقل أعضاء او مرضى الروماتويد أو الذين يتعاطون العلاج الكيماوي والأطفال الصغار نجد أن الطفيل يمكن أن ينشط لديهم ويدخل في المرحلة الثانية الأكثر خطورة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تلف المخ والعينين، وإلى أمراض عصبية، وقد يؤثر أيضا على القلب والكبد. وعند إصابة الجنين وهو في رحم امه بطفيل التوكسوبلازما فانه يسبب تشوهات خلقية كما أن الام المرضعة اذا اصيبت بهذا المرض خلال فترة الرضاعة يمكن أن تنتقل العدوي الي طفلها عن طريق الحليب لذا فالوقاية من هذا المرض هي افضل من علاجه.
طريقة الكشف عن المرض: تتضمن القيام بالبحث عن أجسام مضادة للتوكسوبلازما في الدم من خلال الفحوصات اللازمة للتأكد بشكل روتيني أثناء الحمل. ويجرى التحليل بدراسة الاجسام المضادة حيث الاجسام المضادة IgG تعني وجود مناعة سابقة أما وجود   IgM فتعني وجود عدوى  حالية ومعرفة وجود هذه الاجسام المضادة IgM مهم جدا لمعرفة وقت حدوث العدوى.
 ولعلاج هذا المرض، ويعطى المصاب مضادا حيويا مثل «سبيرامايسين» أو «مركبات السلفا والبيرميثامين» ولا ينصح باستعمال السلفا في الاشهر الاولى والاخيرة من الحمل. وعلاج الحامل يقلل نسبة انتقال المرض الى الجنين بنسبة %50.  ويكمن خطر انتقال الطفيل إلى الجنين، بانعدام قدرته على مقاومة الطفيل نظرا لعدم تطور المناعة الخلوية عنده، مما يسمح للطفيلي بالبقاء في الدورة الدموية، فيهاجم الأعضاء حديثة التكوين.
يعتبر طفيل التوكسوبلاسموز واحداً من أكثر الطفيليات المجهرية تأثيراً على الجنين، وكثيرا ما وجهت إليه الاتهامات في التسبب بالعديد من الحالات المرضية، حتى أن البعض يعتبره ـ بشكل خاطئ ـ أحد أسباب العقم ومنهم من يعتقد أنه يتسبب في حدوث بعض السرطانات. والحقيقة الوحيدة التي ثبتت علمياً عنه، أن خطره الكبير يكمن عند إصابته للجنين أثناء الحمل أوالوليد في أشهره الأولى، مما يؤدي لعواقب قد تكون وخيمةً تودي بحياة الطفل حديث الولادة أو تصيبه بآثار جانبية غير قابلة للشفاء.  ومن اخطر الطرق للإصابة بهذا المرض انتقاله عن طريق المشيمة الى الجنين. وتكمن الخطورة في الاشهر الاولى من عمر الحمل،كما أن و %9 من الاصابات تؤدي الى وفاة الجنين, و %30 منها يسبب تشوهات كاستسقاء الدماغ وزيادة السائل المحيط بالمخ، كما تحدث تغيرات في الشبكية قد تؤدي الى العمى، وكذلك التخلف العقلي والصرع.وفي امريكا تصل نسبة حدوث المرض الى %20. وتحدث التشوهات في الثلث الأخير من الحمل حوالي 70% وفي الجزء الأول من الحمل حوالي 15% من الأطفال الذين يتعرضون للاصابة بالعدوى.
من الممكن عمل أشعة صوتية في الاسبوع العشرين من الحمل واخذ عينة من الحبل السري للجنين لمعرفة اصابته بالعدوى أثناء الحمل, ولكي لا تصاب الحامل بهذا المرض من المهم جدا أثناء فترة الحمل أن لا تتعامل مع القطط، وتتخلص من فضلاتها في أسرع وقت ممكن. كما ينصح المرأة الحامل باستعمال واق لليدين «قفاز» للوقاية من العدوي. فان كانت السيدة حاملا أو لديها مناعة ضعيفة فقد تتعرض الي التهاب شديد في الدماغ والقلب والرئة والعينين وهذا الالتهاب أحيانا قد يؤدي للوفاة.
 في فرنسا يعتبر إجراء الكشف عن مضادات الأجسام الخاصة بالتوكسوبلاسموز أحد أهم الفحوصات المخبريّة الإجبارية عند النساء الحوامل. ولتلافى هذا الخطر الناتج عن الإصابة بطفيل التكسوبلازما فان الحكومات في العديد من البلدان فى العالم  تعمل على تعميم المراقبة الدورية على طفيل التوكسوبلاسموز. ومن الجدير بالذكر أن هذا الطفيل موجود في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي فإن احتمال إصابة الجنين أو الطفل حديث الولادة به هو أمر وارد ويحتاج لتقييم علمي. وهناك خطوات مهمة للحماية من هذا المرض ومنها تناول لحوم محفوظة ومجمدة تجميدا جيدا ثم تطبخ بشكل جيد لان هذا الطفيل يقتل بالحرارة العالية والبرودة العالية. وايضا يجب تجنب تناول اللحوم المجففة وتجنب التلامس مع القطط أو مع براز القطط في البيوت أو الحدائق. وكذلك غسل اليدين جيدا بعد غسل الفواكه والخضر ولبس القفازات عند غسلها لان هذه الفواكه والخضرقد تكون ملوثة بالطور المعدى للطفيل. ويجب عدم تناول بيض نيئ وعدم شرب حليب غير مبستر ويجب عدم لمس الوجه او الأنف أو العين أثناء إعداد الطعام مع غسل اليد جيدا بعد إعداد وتقطيع اللحوم وغسل خشبة تقطيع اللحوم جيدا بالماء الساخن والصابون بعد الانتهاء من تقطيع اللحوم .
 مما سبق يتضح لنا مدى خطورة هذا الطفيل المجهرى والذى له القدرة على إحداث أضرار بالغة سواء للذكور أو السيدات والأطفال ولهذا فإن التحليل الخاص بهذا الطفيل يعتبر من الخطوات المهمة للسيدات اللاتى يتعاملن بشكل مباشر مع القطط وكذلك للسيدات الحوامل او اللاتى يقبلن على الجواز بشكل عام تجنبا لحدوث اضرار للأجنة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق