الأربعاء، 10 مايو 2017

توابع زلزال يونيو 1967

من ذاكرة الجنرال
صديقى ...الذى اختفى.. الى الابد
فى اعقاب تخرجى من كلية الشرطه سنة 1968...عينت ...بقسم شرطة امبابه ..فى هذا الوقت.. كانت البلد تغلى وتفور ...عاصرت عن قرب مظاهر السخط والغضب الشعبى فى الشارع المصرى ..عقب صدور احكام قادة الطيران المسؤلين عن هزيمة يونيو ..
كان الشعب المصرى غير مصدقا لكل ما حدث ..سادت حاله من التخبط والتشتت ..انتشرت بين كل التجمعات ..على المقاهى ...فى كل وسائل المواصلات العامه ..حتى الجلسات العائليه ...لم تخلو من هذا ...تعددت الاراء وتعارضت ...هناك من يقول ...لا فائده ...وكانوا كثيرين ..وهناك من يقول انها بداية الصحوه ..كان الجميع يستمعون ...بعقول مفتوحه ...وحواس متحفزه ...
ورغم كل مشاعر المراره ...الا انها كانت من اغنى تجارب وفترات الشعب المصرى خلال ...تاريخه المعاصر .. ..كانت مصر كلها تلعق جراحها ......وكل يعلم ان المعركه ...قادمة ...لا محاله ..
ومجرد افتتاح الجامعات المصريه فى شهر اكتوبر ...خرجت المظاهرات العارمة الغاضبه تجوب المدن الكبرى بمصر ..كان الجميع يبحث عن تفسير واضح ومقنع لكل ما حدث لمصر ...لكن نشوة الانتصار لدى اعداء مصر هى التى كانت حجبت عنهم رؤية تصميم هذا الشعب على الثأر ...وبأى ثمن ....
وكالعاده كان تفسير السلطه لتلك المظاهرات ...هى استغلال اليساريين لحالة الارتباك والتخبط التى كانت تسود الشارعالمصرى ...وبدلا من الاستفاده من هذا النبت الصالح من الشباب الوطنى ..كانت وللاسف عملية اخماد حماس هؤلاء ..والاستفاده من شعبيتهم وطهارتهم وتوجيههم لتوجهات السلطه ...اكتب عن تلك الاحداث بعد مرور نصف قرن من تلك الايام الحالكه من تاريخ مصر ...والتى كانت بدايه لصحوه وطنيه وعسكريه كبرى ...كانت هى الوقود والمقدمه لحرب ونصر اكتوبر المجيد ..والتى كان من الممكن استغلالها لأبعد من هذا ...بكثير ..كان من واجب سلطة الدوله ...الاخذ بيد هؤلاء الشباب واعطائهم الفرصه كاملة ..اذكر كمثال لشباب هذه المرحله ..الدكتور عبد الحميد حسن ...كيف ظهر؟ وكيف ووظف ..؟وما ..ال اليه ؟
المهم نعود لموضوعنا الاساسى ...عند اندلاع مظاهرات الغضب ..كنت فى بداية العشرينات من عمرى ..اشعر واعيش مشاعر جيلى ..حزين على وطنى ..لكنى ملتزم بوظيفتى .....اثناء المظاهرات ..تم القبض على عدد كبير من الطلاب الجامعيين ...ثم جرى توزيعهم ..على اقسام الشرطه ...كان من نصيب القسم الذى اعمل به حوالى عشرين منهم .....كانوا جميعه بسطاء ..فى مثل عمرى ..لازلت اذكر بعضهم ...يملؤهم الحس الوطنى ...كانت التعليمات بالنسبه لهم ...التحفظ عليهم لحين صدور تعليمات ...كانوا يعاملون معامله خاصه ...فهم ليسوا مجرمين ..كثيرا ما كنت اجلس معهم واحدثهم ..خاصة اثناء النوبتجيه الليليه ...كانوا ابرياء ..انقياء ..متحمسيين لقضية مصر ...ومن خلال التعامل اليومى معهم ..زالت الحواجز والحساسية بينى وبينهم ...وان كان لازال هناك بعض التوجس لدى بعضهم..
كان من ضمنه ..طالب لازلت اذكره جيدا ..الا اننى لا اذكر اسمه ...نحيف ..قصير ..شعره بنى مجعد ..ملامحه دقيقه ..عندما يتحدث ..تسرع من فمه الكلمات ..مما يصعب ملاحقته.حدثنى عن احلام وثقته فى المستقبل .اذكر من كلماته ...لا بد للشمس ان تسطع يوما ..كنت متعاطفا معه ..كان من الواضح انه ينتمى لاسره بسيطه مكافحه وكان يعتز بذلك ..كان عزيز النفس ...وبمرور الوقت...وثق فى ..واصبح يشتكى لى همومه ...ومخاوفه ...كانت اطمئنه ...واقول له ..من الطبيعى ان يكون لديك تلك المخاوف ...فى تلك الظروف ..استمرت اقامة هؤلاء الضيوف معنا حوالى عشرة ايام ..حتى جاءت ...سياره لورى لاستلام هؤلاء الضيوف ........اتذكر ان اغلبهم صافحنى عند الرحيل ...اما صديقى الذى لا اذكر اسمه ..فقد صافحنى بحراره واحتضننى وسألنى وهو يبتسم ...احنا رايحين فين ؟؟على القلعه ؟ولا على طره ؟..وطبعا لم ارد ...لانى لم اكن اعلم ...
مرت الايام والاسابيع والشهور ...واثناء تواجدى يوما فى النوبتجيه المسائيه بالقسم...وفى عصر احد ايام صيف 1969..حضر تجمهر من المواطنيين يقتادون شاب صغير حافى القدمين يرتدى بيجامه ...وبمجرد مشاهدتى له ...تعرفت عليه ...فقد كان هو صديقى الطالب الجامعى ...ذكر بعض المواطنيين ...انهم شاهدوه يسير هائما على وجهه فى شوارع حى امبابه ..وانه كان يهذى ...بكلمات غير مفهومه ...فأحضروه للقسم ...اقتربت منه وتحدثت اليه ...الا انه لم يتذكرنى على الاطلاق ...كان مرتبك وفى عينه دمعه متحجره ...كان يتصبب عرق ...لم يكن يحمل اى اوراق تدل على شخصيته ...حاولت مرارا ..ان اتحدث اليه دون جدوى ... فقد كان صامتا شاردا ...كان يردد عباره واحده ...انتم عايزين تعملولى ..غسيل مخ ....كنت حزين عليه ...لم استطع ان افعل له اى شىء ...سوى استدعاء ..سيارة الاسعاف لنقله للمستشفى ...حاولت تقديم بعض السندوتشات ...إلا انه رفض بقوه ...قائلا ...انتم حاطين فيها سم ......ودون ان ينظر اللى ..اختفى داخل السياره ...ولم إشاهده او اسمع عنه ...منذ هذا اليوم شيئا ...............ملحوظه ..هامه .....تناولت تلك الحكايه عدة مرات ...ولا اعلم ..لماذا اتذكرها دائما عندما تقترب ذكرى هزيمة يونيو 1967 ؟؟؟؟؟...................................انتهت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق