الأحد، 30 أبريل 2017

من ذاكرة الجنرال تاجر المخدرات عبد الاللاه

فى عام 1968 تخرجت من كلية الشرطه ...التحقت بالعمل بقسم شرطة امبابه ...ضابط نوبتجى ...كان اول درس تعلمته ...ان نوبتجية القسم هى المدرسه الاولى لضابط الشرطه ..ويا ويل من لم يتعلم بهذه المدرسة ....فالنوبتجيه هى دينامو العمل بكل اجهزة القسم ..فهى التى تتولى تلقى بلاغات المواطنين وعمل التناسق بين كل الاجهزه ...وصولا الى بسط الاحساس بالامن ...وتشغيل كل العاملين ...فالدوريات الامنيه تعمل تحت اشراف النوبتجيه ..صباحى ...مسائى ...ليلى ..المباحث تستقى معلوماتها الاوليه من النوبتجيه ..المأمور ونائبه ..تعد النوبتجيه هى الجهاز التنفيذى الاول للعمل الشرطى ...حجز القسم ..سلاح القسم ...حراسة القسم ...الخ ...كل يعمل تحت الاشراف المباشر لحضرة الضابط ...النوبتجى ...كان من حسن حظى ان عملت فى بداية خدمتى مع مأمور قسم ...اسمه المقدم صلاح امين ...رحمه الله ...كان استاذ بمعنى الكلمه ....استاذ فى العمل الشرطى لا نظير له...كان اول من علمنى ...ان عمل النوبتجيه ...هى المعيار الحقيقى لتقييم شخصية الضابط الجديد ...كنت ابذل كل جهدى لأنال تقديره وتقدير كل العاملين بالقسم من ضباط وجنود وموظفين مدنيين ...وقبل كل هؤلاء ...المواطنيين المترددين على القسم ...كان من ضمن من اشرف عليه ...المراقبين الذين يحضرون للمبيت بالقسم تنفيذا لاحكام قضائيه والافراج الشرطى عنهم ... لخطورتهم على الامن العام...وذلك بالتتميم عليهم واحتجازهم ...منذ ساعة الغروب حتى ساعة شروق اليوم التالى ...كذلك الذين ينفذون احكام قضائيه بالعمل كمصاريف بالقسم بدلا من دفع احكام الغرامات الماليه بتشغيلهم بالاكراه البدنى فى اية اعمال ايا كان نوعها داخل القسم سواء كتابيه ام اعمال خدمات كالنظافه مثلا ....وكثيرا ما كنت اتحدث معهم ..واناقشهم فى اوقات فراغى ليلا او نهارا ...كنت ابحث عن اسباب انحرافهم وحياتهم الاسريه ...كان منهم التائب ...ومنهم من يدعى التوبه ...المهم ...كان اغلبهم يتظاهر بالتوبه دائما ...والحقيقه كانت الجلسات معهم مفيده تعلمت منهم الكثير والكثير ...لازلت اذكر النشال الخطير ...عيد الشواربى ...خرج من السجن واعلن توبته ...كان خفيف الظل يتحدث دائما بطريقه تمثيليه مضحكه ...كان كل حديث منه لابد ان يصاحبه قسم بأغلظ الايمان على صدقه ويرفع يده الى السماء ...وبرغم اننى كنت دائما اقول له ...وكان رجل مسن جاوز الخمسين من عمره ...والله يا عم عيد ...انا مصدقك ...الا ان لازمة القسم والاشاره للسماء ...كانت دائما تلازمه ...عرفت من المحكوم عليهم بتشغيله كمصاريف تاجر المخدرات المفرج عنه بعد قضاء فترة العقوبه رجل اسمه عبد الاللاه ..كان شابا نحيف طويل القامه ..مجعد الشعر...يقيم بالقرب من نفق المنيره بإمبابه ... نشيط يعمل فى صمت .. اكد لى انه تاب عن الحرام على حد قوله منذ ان خرج من السجن ...الا أنه لم يبدو عليه هذا ...كان على درجه كبيره من الحرص والتخفى ..المهم كان التحدث ومعرفة هؤلاء الناس كنز معلومات مجانى لا ينضب ...ومرت الايام ...وبعد سنه ونصف عملت ضابط مباحث القسم ....كان من ضمن من استرجعت ذاكرتى معهم الاخ عبد الاللاه ...وصلتنى معلومات اكدتها التحريات ...انه يمارس نشاطه المؤثم بمساعدة شقيقه ...فوكس ...وبعد اتخاذ الاجراءات القانونيه تم استصدار إذن من النيابه وتم ضبطه متلبسا ببيع مخدر الحشيش ...وحرر له محضرا بالضبط بعد تحريز المضبوطات ...عرض على النيابه التى امرت بحبسه ...جدد له الحبس عدة مرات وبعد عدة اشهر اخلى سبيله بضمان مالى ...تمهيدا لمحاكمته ...
بعد عدة اشهر قضت محكمة جنايات الجيزه بسجنه سبعة سنوات ...غيابيا ...نقلت خلال تلك الفتره الى مباحث مركز شرطة الجيزه ...بعد فترة جائنى اعلان بحضور جلسه بمحكمة الجنايات للشهاده فى قضية المحكوم عليه عبد الاللاه حيث سلم نفسه للعداله وحددت جلسه لاعادة محاكمته ...كان من عادتى التى تعلمتها من المرحوم صلاح امين مأمور القسم الذى تتلمذت على يده ...ان احتفظ بصوره كربونيه لكل محاضر الجنايات او اى محاضر هامه أكون قد حررتها بنفسى حتى يمكننى الرجوع اليها وقت الحاجه ...كان دائما ما يقول لى ...انت مسؤل عن محضرك من وقت ضبط المتهم ...وتقديمه للنيابه والقضاء ..حتى ارساله للسجن ...كان يحذرنى من اى تهاون او اهمال خلال كل هذه المراحل ...علمنى ان احرر المحضر بلغة سهله بسيطه وان اتحرى الصدق فى كل مفرداته حتى يكون مطابقا للحقيقه والواقع ...وتلك اضمن وسيله لعدم نسيانه ...علمنى ان اتوجه للنيابه والمحكمه ..والادلاء باقوالى ..كلما طلب منى ذلك ...والا الجأ لاسلوب الاعتذار والتحجج بإنشغالى بمأموريات او عمل اخر ...كان يقول لى ...لقد اجتهدت فى التحريات وجمع المعلومات والضبط لمجرم اثم يستحق العقاب ...فلا تضيع كل هذا بتقاعسك عن الادلاء بشهادتك ....وفعلا ...اخذت بكل ما نصحنى به ...كنت اسعد بترددى على المحاكم وحضور المحاكمات...اعطتنى فرصه لمشاهدة عظماء المرافعات الجنائيه ...استمعت الى الراحلين الدكتور على منصور وعلى الرجال والاستاذه مفيده عبد الرحمن ...واخرين ...استفدت من كل هؤلاء ...استفدت من مناقشات المستشاريين واعضاء النيابه ودراسة الاركان القانونيه للجرائم ...واساليب المراوغه ...وافساد الاحكام والمحاكمات ...حتى اننى كنت احضر الى الجيزه اثناء عملى بالصعيد ...فى حالة استدعائى لكى ابدى اقوالى امام القضاء ...تحقيقا للعداله ...كنت استرشد بالصور الكربونيه للمحاضر حتى لا تفوتنى اية تفصيلات ...حتى اننى كنت استشعر ان بعض المستشارين قد عرفونى بالاسم ..ويطمئنون الى صدقى وصراحتى ....
نعود الى حكاية تاجر المخدرات عبد الاللاه ...وماذا حدث فى جلسة اعادة محاكمته ...بمجرد دخولى قاعة المحكمه ...كان عبد الاللاه فى القفص...وما ان شاهدنى حتى نادى على بصوت جهورى ...حرام عليك يا فهمى بك تظلمنى ...اولادى فى رقبتك ...كان من الواضح انه يريد ان يؤثر على المحكمه ...فطلب منه المستشار رئيس الجلسه ان يلزم الصمت ...وكان اسم المستشار على ما تذكر عادل صدقى ...وكان محامى المتهم المرحوم عبد الغفار ابو طالب ...عضو مجلس الشعب عن دائره مركز الصف .....ومجرد ان بدأ مرافعته ...وجه حديثه للمستشار رئيس الدائره ...انا مش عارف ليه سيادتك دائما تصدق الضابط فهمى سعود وتأخذ بأقواله كما لو كانت حقيقه ثابته .....هنا تكهرب الجو ...واتخذ المستشار المحترم قرارا بإثبات اقوال الاستاذ عبد الغفاربمحضر الجلسه ...واعلن عن قراره بالتنحى عن نظر هذه القضيه لاستشعاره الحرج ....وكان قرارا سليما بنسبة 100% ...
احيلت القضيه لدائرة اخرى ...وحضرت وابديت شهادتى ...وترافع الاستاذ عبد الغفار ابو طالب ...وفى نهاية الجلسة حكمت المحكمه على المتهم عبد الاللاه بالسجن لمدة سبع سنوات (نفس العقوبه السابقه)...... انتهت الحكايه ...والى حكايه قادمه...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق