الأحد، 4 سبتمبر 2016

حذاء...وطبقية مترجمة من السويدية

الصديقة سلمى حداد. .ترجمت لنا قصة من الأدب السويدى...قصة رائعة أنشرها لكم

قصة للكاتب السويدي المعروف(Ivar Lo-Johansson(1901-1990
ولد هذا الكاتب في أفقر طبقات المجتمع السويدي ,طبقة منظفي مداخن الفحم,تمرد على هذه الطبقية وتعلم ذاتيا,واحترف الكتابة,ومعظم كتاباته تنتقد الفوارق الطبقية.
هذه القصة هي مما ورد في سيرته الذاتية,اترجمه لكم بشئ من التصرف, مع المحافظة على المضمون.
.......................
أخيرا وافق والدي لرغبة أمي في أن ترى قدميه في حذاء جديد,مر وقت طويل كانت تحاول اقناعه أن حذاءه أصبح باليا جدا ولم يعد مفيدا للاستعمال,وبالفعل كان حذاء أبي مشققا ممزقا بشكل مقزز, ويبدو أن موافقة ابي على التوجه للمدينة لشراء حذاء جديد شاع في الحي, وبدأ الجيران يتناقلون الخبر في الموضوع ويعرضون اقتراحاتهم , جارنا حارس الغابة السيد كارلسون اقترح على أبي أن يشتري نوعية اسمها بوكسكالف, من الجلد المتين كي تدوم طويلا كما قال, وسعرها مناسب باعتقاده.
سألني أبي ان كنت أود مرافقته للمدينة لشراء الحذاء الجديد, وافقت طبعا,وكنت أعلم أن أبي سعيد بصحبتي, ويأنس بوجودي الى جواره, والدي كان رجلا بسيطا وخجولا.
في الحي القديم من المدينة بحثنا طويلا عن عنوان محل الأحذية الذي وصفه جارنا السيد كارلسون.
مشينا طويلا , وبعد تيه وجدنا أنفسنا أمام محل كبير للاحذية, لم نصدق ما رأت أعيننا لحظة دخولنا المحل ذو الواجهات الزجاجية الجميلة اللامعة, كانت المرايا الصقيلة المذهبة الأطر تنتشر في كل ركن من اركان المحل, وعمال المحل من الجنسين بملابسهم الأنيقة يتنقلون بين الزبائن ويساعدونهم على اختيار الأحذية المناسبة, الزبائن ومعظمهم من النساء كانوا على درجة عالية من الأناقة, وتصدر منهم روائح العطور الثمينة.
تقدمت احدى البائعات منا وسألت أبي
-تريد حذاء لك سيدي ام لابنك؟
-لي انا , ابني حذاؤه ما زال جديدا كما ترين
-ما هو القياس سيدي؟
-لا أعرف, ولكني أريده حذاء بوكسكالف
-عفوا ,هذه النوعية لا نبيعها هنا, ثمة ماركة مما هومعروض هنا ترغب في تجربته سيدي؟
-نعم, ماركة غير بوكسكالف التي ليست عندكم
كنت اعرف أن أبي لا يعرف أي اسم لأي ماركة أحذية.
خلع والدي حذاءه , وأخذت البائعة فردة منه لتعرف قياس قدمه.
ولاحظت أنا الفرق بين قدمي والدي الكبيرتين الخشنتين, وأقدام الزبائن الاخرين
تأملت احدى السيدات وهي تدخل قدمين جميلتين ناعمتين بجواربها الحريرية الشفافة في حذاء بديع الصنع , ثم رأيتها تسد أنفها وتمضي مبتعدة في اللحظة التي خلع بها والدي حذاءه.
انا احببت دائما رائحة ابي , دائما ظننت ان كل رائحة من جسم ابي طيبة وطبيعية, رائحة أنفاسه..رائحة اقدامه ..رائحة عرقه. صدمت ان ثمة من ينفرون من رائحة والدي ولا يخجلون من اظهار نفورهم.
احضرت البائعة لوالدي حذاء ليجربه, وضع والدي قدميه في الحذاء الجميل , وبدت ملامح السرور على محياه وهو يسير بضع خطوات فوق السجادالاحمر الثمين.وبدا واضحا جدا ان الحذاء اعجبه
-كم ثمنه؟سال البائعة
-هذا الحذاء سيدي من ماركة معروفة, ولزبون خاص مثلك نبيعه بثمان وعشرين كرونا
كنت اعرف أن ابي لا يملك سوا عشرة كرونات, وانه امكاناته المالية تسمح بشراء حذاء لا يزيد سعره عن ثمانية الى ثمانية كرونات ونصف.
ورايت والدي يخلع الحذاء الجديد ويرتدي مسرعا حذاءه القديم .
وسمعت ونحن نغادر المكان احد الزبائن المتغطرسين يسال البائعة متأففا
-كيف دخل هذا الى هنا؟
ولاول مرة وجدت في ضعف سمع أبي ميزة حسنة, اذ جنبته المزيد من الهوان بما جاء من تعليقات ساخرة من اولئك المتغطرسين
و فهمت يومها أن الاختلاف بين الفقير والغني ياخذ شكلا هرميا, يبدأ من القاعدة التي هي القدمين ونوع والحذاء....ويتنتهي بالقمة....الراس ونوع القبعة التي نرتديها.
خرجنا من المحل, ورأيت على وجهه خيبة أمل واضحة لعدم حصوله على ذاك الحذاء الذي أعجبه, سرنا غير بعيد في سوق المدينة, فاذا نحن وجها لوجه أمام المحل الذي وصفه لنا السيد كارلسون, وهناك جرب والدي على عجل حذاء من نوع بوكسكالف الذي اقترحه جارنا, خلعه أبي وقال للبائع
-انه صلب ويضغط على الأصابع بشكل مؤلم , ابتسم البائع وعلق قائلا
-أنت تعرف يا سيدي أن كل الأحذية الجديدة تكون كذلك قبل أن تعتادها القدم.
والدي الذي كان قد جرب منذ قليل حذاء جديدا رائعا مريحا لم يصدق ما قاله البائع , ومع ذلك فقد نقد البائع ثمانية كرونات ونصف ثمن الحذاء, وحمل حذاء ه الجديد تحت ابطه بعد أن لفه البائع بأوراق صحف قديمة ومضى.
وفهم والدي وفهمت أنا أن أحذية الفقراء فقط هي التي تؤلم الأقدام حين تكون جديدة.
وما زالت ذكرى ذلك اليوم الذي اشترى فيه أبي حذاء جديدا يحرك في نفسي كل مشاعر الكره لطبقية بغيضة تشمل حتى ما يرتدي الانسان في قدمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق