الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

فرعون اليهود الجزء الثالث

الرأي الثاني: فرعون الاضطهاد "رمسيس الثاني" وفرعون الخروج هو "مرنبتاح":
ورمسيس الثاني هو ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشر، فرمسيس الأول هو مؤسس هذه الأسرة، وقد تولى بعده سيتي الأول (1319-1301 ق. م.) واسم سيتي مرتبط باسم الإله ست، ثم حكم ابنه رمسيس الثاني الذي أرخ له البعض بالفترة من 1301 - 1234 ق.م.، وأرخ له آخرون بالفترة 1290 - 1224 ق.م. وكان محاربًا عظيمًا وفي عهده حدثت معركة قادش 1286 ق.م. على نهر العاصي بين الحثيين والمصريين، وإن لم يتحدد من هو المنتصر، إلاَّ أن رمسيس الثاني كان يميل لتصوير نفسه بالمنتصر، وما يمكن أن يقال أن هذه المعركة قد حسمت الصراع بين الحثيين والمصريين، وانتهت بعقد صلح بينهما وتزوج رمسيس الثاني من ابنة الملك الحثي "حاتوسيل " وتم الخروج في عصر مرنبتاح ابن رمسيس الثاني، ومن الأدلة التي اعتمد عليها أصحاب هذا الرأي:
أ - كان رمسيس الثاني مهووسًا بحب البناء والعمران، حتى أنه أزال أسماء الفراعنة السابقين عن الأبنية التي بنوها، ونقش اسمه عليها، وكان له مشاريعه الجبارة، التي استغل فيها الأجراء وأيضًا بني إسرائيل، فبنوا له مدينتي رعمسيس وفيثوم، وقد تم اكتشاف نقوش لرمسيس الثاني جاء فيها " أنا بنيت فيثوم " كما تم اكتشاف لبنات عليها اسم رمسيس الثاني بعضها مخلوط بالتبن وبعضها بدون تبن، وهذا يعكس ما جاء في (خر 5: 10 - 12) كما أنشأ رمسيس الثاني معبد أبو سمبل الذي حفره في الجبل (والمطل حاليًا على بحيرة السد العالي بعد نقله من مكانه الأصلي) وفي مدخله وضع أربعة تماثيل له يصل ارتفاع كل منها نحو 20 مترًا. كما شيَّد معبد طيبة في الأقصر.
ب - جاء في برديات ترجع إلى عصر رمسيس الثاني قصص عن العبيرو (العبرانيين) الذين يجرون الحجارة الضخمة لبوابة معبد الملك رمسيس الثاني، وقصص أيضًا عمن يصنعون الطوب بدون تبن.
جـ- تم تسجيل انتصار مرنبتاح على إسرائيل على شكل قصيدة نقشت على لوحة تذكارية من الجرانيت الأسود، وقد اكتشفها الأستاذ " فلندر بتري " في المعبد الجنائزي بطيبة، ودُعيت هذه اللوحة بلوحة إسرائيل وجاء فيها " وإسرائيل قد خربت وإنقطعت بذرتها " وتعتبر هذه أول إشارة صريحة لإسرائيل، ولا تأتي إشارة أخرى لإسرائيل إلاَّ بعد أربعة قرون من هذا التاريخ. وقد تُرجمت العبارة السابقة على عدة أوجه:
فقد ترجمها "جرفث" إلى " وقوم إسرائيل قد صاروا قفرًا ومحاصيلهم قد ذهبت "
وترجمها " بتري " إلى " وقوم إسرائيل قد أُتلفوا وليس لديهم غلة "
وترجمها " نافيل " إلى " وإسرائيل قد مُحي وبذرته لا وجود لها".
ويقول الأستاذ سليم حسن " إذا قبلنا ترجمة الأستاذ " نافيل " ورأيه في كلمة " بذرة " فإنه يصبح من الطبيعي إذًا أن يقول: أن النقش يشير هنا إلى خروج بني إسرائيل ومعهم أولادهم وكل ما يتبعهم، ومن ثم أصبح لا وجود لهم بالنسبة لمصر(13) والواقع أن ما جاء في متن هذه اللوحة على ما يُظن يعد سجلًا معاصرًا لخروج بني إسرائيل مع حوادث أخرى، كما يدل دلالة واضحة على أنه قد وقع في السنة الخامسة من عهد " مرنبتاح " كما يعتقد " نافيل".."(14).
وقال " نافيل".. " أن النقش يشير هنا إلى خروج بني إسرائيل، وكذلك يعني أنه طرد من أرض مصر جنس أجنبي من البدو يدعى إسرائيل ومعهم أولادهم وكل ما يتبعهم، ومن ثمَّ يصبح لا وجود لهم بالنسبة لمصر"(15) فقد سجل الفنان المصري خروج بني إسرائيل من مصر كأنه طرد وليس خروج منتصر، وربما يتفق هذا مع ما جاء في سفر الخروج " ثم قال الرب لموسى ضربة واحدة أيضًا أجلب على فرعون وعلى مصر وبعد ذلك يطلقكم من ههنا. وعندما يطلقكم يطردكم طردًا من ههنا بالتمام" (خر 11: 1).
وقال الدكتور عبد الحميد زايد " أما نتائج حفر montet في تانيس أي P1 - ramses (رعمسيس) تدل على صحة الرأي القائل بوقوع خروج اليهود في عصر مرنبتاح. لقد كانت رعمسيس على ما يظهر من خلق رمسيس الثاني وليست من عمل ملك آخر. ويميل جمهرة العلماء إلى ترجيح خروج بني إسرائيل من مصر في الأيام الأولى لعهد مرنبتاح"(16).
كما قال الدكتور محمد مهران " أن الرأي الذي يجعل خروج بني إسرائيل في عهد مرنبتاح.. إنما هو أقرب الآراء إلى الصواب وهو الرأي الذي نميل إليه ونرجحه على أن يكون الخروج في العام الأخير من حكم مرنبتاح"(17).
ويقول دكتور موريس بوكاي الذي طالما هاجم الكتاب المقدَّس أن " ماسبيرو " Maspero عالِم الآثار الشهير ذكر في كتابه " دليل زائر متحف القاهرة " سنة 1900 م أن منبتاح Mineptah خليفة رمسيس الثاني هو فرعون الخروج كما جاء في قول مأثور أسكندري الأصل، وأنه هو الذي هلك في البحر حسبما يقال، ورغم عدم توفر الوثائق التي أسس عليها ماسبيرو زعمه، لكن جدية الكاتب تفرض علينا أن نعلق قيمة كبيرة على قوله(18).
وجاء في دائرة المعارف الكتابية " مازال الاعتقاد السائد هو أن رمسيس الثاني هو فرعون الاضطهاد، وقد كان هذا الملك شديد الولع بتشييد المباني بصورة خارقة، وقد حدَّد " إدوارد ماير " تاريخ ملكه الطويل من 1310-1244 ق.م. وبهذا يكون ابنه منفتاح هو فرعون الخروج. ولكن إن افترضنا هذا، فإن التسلسل التاريخي للكتاب المقدَّس لا يواجه صعوبات خطيرة فحسب، بل يلزم تجزئة سفر القضاة إلى أجزاء صغيرة جدًا وهناك أيضًا معلومات تاريخية محددة تؤيد تاريخًا مبكرة لخروج إسرائيل، فإن الملك منفتاح يفخر في أحد النقوش بأنه في إحدى حملاته على سوريا حطم رجال إسرائيل (وهنا يُذكر اسم إسرائيل لأول مرة في أحد الآثار المصرية)"(19).
ويقول القس صموئيل يوسف أن هذا الرأي يقف ضد اللوحة الأثرية التي تم اكتشافها، وسُجل عليها ما يفيد انتصار مرنبتاح على الإٍسرائيليين في فلسطين 1229 ق.م.، فكيف يخرج بني إسرائيل في عصر مرنبتاح الذي تولى الحكم سنة 1234 ق.م.، وبعد نحو أربع أو خمس سنوات أي سنة 1229 ق.م. يسعى نحوهم في فلسطين ورغم أن المدافعين عن هذا الرأي قالوا بأن الذين انتصر عليهم مرنبتاح من بني إسرائيل لم يكونوا في مصر، وبالتالي لم يشتركوا في رحلة الخروج، ولكن رأيهم لم يقنع الكثيرين(20).
وهناك اعتراضان على هذا الرأي الثاني:
أ - أن هذا الرأي يتعارض مع ما جاء ذكره في سفر الملوك بأن السنة 480 للخروج تقابل السنة الرابعة لحكم سليمان (1 مل 6: 1) وللخروج من هذا المأزق قال أصحاب هذا الرأي أن كاتب سفر الملوك أعتبر أن الجيل يمثل 40 سنة، فالمدة 480 سنة تساوي 12 جيلًا، بينما الجيل يمثل 25 سنة فقط إذًا المدة هي 25 × 12 = 300 سنة وليس 480 سنة وبإضافتها لتاريخ السنة الرابعة من ملك سليمان وهي 966 أو 967 سنة إذًا تاريخ الخروج هو 967 + 300 = 1267 ق.م.
ب - في منتصف القرن التاسع عشر أكتشف أعرابيان أنفاقًا محفورة في الصخر، وعُثر فيها على 37 مومياء ملكية ضمن توابيت خشبية لحفظها من السرقة، ومن بينها مومياء سيتي الأول وابنه رمسيس الثاني وعدد آخر من الفراعنة ونساءهم وبناتهم، وفي سنة 1898 م تم اكتشاف مقبرة جماعية أخرى في وادي الملوك تحوي 14 مومياء ملكية منها مومياء مرنفتاح خليفة رمسيس الثاني(21) وقال أصحاب هذا الرأي ربما بعد غرق مرنفتاح تم انتشال جثته وتحنيطها، وقال الدكتور موريس بوكاي أن مومياء منبتاح اكتشفها " لوريت " Loret سنة 1898 بوادي الملوك بطيبة، ونقلت للقاهرة، ورفع إليوت سميث Elliot Smith عنها أربطتها في 8 يوليو 1907م وأصدر عنها كتابه " المومياء الملكية " سنة 1912م وأن المومياء معروضة في متحف القاهرة. كما يقول بوكاي أنه فحص هذه المومياء سنة 1975م مع الدكتور المليجي والدكتور رمسيس والدكتور مصطفى المنيلاوي فرأوا أن حالتها في الستين سنة الماضية قد تدهورت، بينما احتفظت بكيانها أكثر من ثلاثة آلاف سنة من قبل، ويقول بوكاي عنها " أنها شهادة مادية في جسد محنط على من عرف موسى، وعارض طلباته، وطارده في هروبه، ومات في أثناء هذه المطاردة وأنقذ الله جثته من الهلاك التام ليصبح آية للناس كما هو مكتوب في القرآن"(22)(23).
وأراد البعض أن يوفق بين الرأيين السابقين من جهة تاريخ خروج بني إسرائيل من أرض مصر، فقال بخروجين أحدهما "خروج الطرد" وهذا حدث مع طرد الهكسوس نحو سنة 1550 ق.م.، والآخر "خروج الهرب" الذي حدث بقيادة موسى النبي، نحو 1250 ق.م. وفي هذا يقول الخوري بولس الفغالي عن خروج الطرد " وبعد صراع طُرد الهكسوس، لكن لم يخرج هؤلاء الملوك الغرباء وحدهم، بل خرج معهم البدو الأسيويون الذين أقاموا في مصر مع تسلط الهكسوس عليها، وكان بين هؤلاء البدو عدد من العشائر العبرانية. وهكذا نستطيع أن نتحدث عن خروج أول من مصر، هو خروج بشكل طرد وترحيل، وقد حدث حوالي 1550 ق.م"(24).
ثم يقول الخوري بولس الفغالي عن خروج الهرب " وبعد أن ذاقت جماعة يوسف (وغيرهم) الأمرّين في أيام رعمسيس الثاني، خرجوا من مصر حوالي السنة 1250 على يد موسى. فكان هذا الخروج إيذانًا بولادة شعب جديد وبدءًا بالتاريخ المقدس ودخل الشعب أرض كنعان بين سنة 1220 و1200 ق.م.، وعاشوا في أيام القضاة الذين كان آخرهم صموئيل"(25).



(13) راجع Jer XX1 , 3-6.
(14) مصر القديمة جـ 7 ص 112.
(15) قليني نجيب - فرعون موسى ص 33.
(16) المرجع السابق ص 34.
(17) مصر والشرق الأدنى القديم ص 505.
(18) راجع القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 258.
(19) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 231.
(20) راجع المدخل إلى العهد القديم ص 130.
(21) راجع زينون كوسيدوفكسي - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 125، 126.
(22) ذكر القرآن موقفين لفرعون أنه غرق وأنه نجا من الموت، وهذا ما سنتعرض له في إجابة السؤال رقم 632.
(23) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 271.
(24) تعرف إلى العهد القديم مع الآباء والأنبياء ص 50.
(25) المرجع السابق ص 37.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق