الاثنين، 31 أغسطس 2015

من ذاكره الجنرال .. زين العابدين الرجل البطل

زين العابدين الرجل البطل 

احيانا يتصفح ويسترجع الانسان صندوق الذكريات ...يتذكر احداث ومواقف واشخاص ...ونمر عليها مرور الكرام ..الا اننى منذ عدة ايام يتردد فى ذاكرتى ويلح عليها شخصين ..اراهما ماثلين امامى ...كما لو كانا احياء بيننا ..برغم انهما رحلا عن عالمنا منذ سنوات وسنوات ..تزاملت معهما سنوات الدراسه الثانويه فى نهاية الخمسينات وبداية الستينات بمدرسة روض الفرج الثانويه من القرن الماضى ..الفارس الاول هو الزميل يسرى حلمى على ...والفارس الثانى هو الزميل محمد زين العابدين بركه الذى سوف اقصر حديثى اليوم عنه ...لان الاول يحتاج لوقت اطول ..كان محمد زين العابدين طالب معتد بنفسه ..ممشوق القوام ..وسيم ...اعتدنا ان نراه دائما فى ملعب كرة السله وقت الفسحه يتدرب على اسقاط الكره فى شبكة البرج دون كلل او ملل .....بمجرد حصولنا على الثانويه العامه اتجه كل منا الى حال سبيله ...دخلت كلية الشرطه ودخل هو الكليه الحربيه وبعد ثلاث سنوات كنت فى الكليه الحربيه لزيارة طالب مستجد من اقربائى ..فسمعت من ينادى على بالاسم ..لم التفت اليه فى اول الامر ...فتقدم منى معاتبا وعلى وجهه ابتسامه فعرفته على الفور ..فقد كان هو الزميل محمد زين ..كان طالبا فى السنه النهائيه فى الكليه الحربية وبرتبة رقيب طالب ...اى انه كان طالبا متفوقا ..ودعانى لكوب شاى واخذنا نسترجع الذكريات واخبار باقى الزملاء ..ثم انصرف كل لحال سبيله ...وبعد مرور اكثر من ست سنوات وفى عام 1971 واثناء سيرى بالحرم الجامعى بجامعة القاهره حيث كنت اعمل وقتها فى حرس الجامعة ..وبالقرب من قاعة الاحتفلات الشهيره ..وجدت من ينادى على بالاسم ..وجدت شخص لم اتعرف عليه فى اول الامر ..حتى جاء وصافحنى مرددا ..مش ممكن حاتعرفنى لان شكلى اتغير خالص ..انا محمد زين العابدين بركه ..صدمت من هول المفاجأه ...كان وجهه مشوه وبه اصابات وندوب ..كان يرتدى نظاره شمسيه غامقه ...اصطحبته الى مكتبى وفى محاولة منه لنفسير التغيير الذى طرأ عليه وحتى يرفع عنى حرج السؤال والاستفسار ..حكى لى انه كان ضمن قوات الصاعقه ..واثناء قيامه بمأمورية خلف خطوط العدو بالقناةفى حرب الاستنزاف انفجر فيه لغم ..احدث به اصابات مميته من ضمنها فقد احدى عيننه وبتر ساقيه وشظايا فى مختلف انحاء جسمه ...انعقد لسانى عن الكلام ...ووجدت نفسى مذهولا مستمعا فقط ...كانت المفاجأه اكثر من قاسيه ...على نفسى ..حكى لى انه ظل يعالج فى المستشفيات لمدة عام وانه يرتدى ارجل صناعيه وكذا عين صناعيه ...الا اننى لاحظت ان معنوياته مرتفعه ..حدثى عن مستقبله وانه يدرس فى كلية الحقوق ..حيث سيعمل محامى فى المستقبل ..بعد ترك القوات المسلحه ...فهو لا بقبل ان يعيش على الهامش ...وانصرف بعد ان تواعدنا على اللقاء بالجامعه ..فى هذا اليوم لم تغمض عيناى وظل بشكله الجديد امام عينى طوال الليل ..واخذت احذث نفسى كيف سيستمر زميلى فى حياته ؟ وبعد اسبوع من هذا اللقاء الغى السادات الحرس الجامعى ولم اقابل محمد زين مره اخرى ..وبعد مرور اكثر من عشرين سنه على هذا اللقاء ...شاهدت احد زملاء الثانوى بمجمع التحرير حيث كنت اعمل ...تقابلنا فى طابور المصعد ورحبت به واصطحبته الى مكتبى وسترجعنا الذكريات وتكررت اللقاءات واقترحت عليه تجمبع اكبر عدد ممكن من الزملاء القدامى..... وبجهود مضنيه توصلنا لحوالى 15 زميل ..اعددت لهم حفل استقبال بسيط وحضروا جميعا ....وفوجئنا جميعا بحضور محمد زين العابدين متأبطا بيد شاب ممشوق ووسيم قدمه لنا .. ابنه الطالب بكلية الشرطه فى السنة الثالثه ...كم كنا سعداء جميعا بتشريف هذا المقاتل الشرس لنا فى هذا اللقاء ...ونظر الى معاتبا ...مبتسما ...انا لم توجه لى الدعوه ....لكنى علمت بها ...فدعوت نفسى ...كان يوما لا ينسى ..حكى لنا انه تزوج من سيده فاضله وانجب منها نصف دستة ابناء ..حكى لنا انه يمتلك ويدير مكتب محاماه بالعجوزه ...بعمل به 40 محامى ...احتترمناه بل بجلناه جميعا ..كنا فخورين به ..وكان نجم الحفل بلا منازع ..اشاد امامنا بزوجته العظيمه التى ساندته فى قصة صعوده وتألقه ..استمرت وتكررت لقاءاتنا لسنوات ..وبعد عدة سنوات ..اصابه المرض ..كنا نزوره ونطمأن عليه ..كان يقول لنا انه سوف يشفى ...كانت ارادته تعطينا الامل فى شفاؤه ..الى ان نفذت ارادة الله ..لازال محمد زين يعيش بيننا بذكرياته وبطولاته ووطنيته وقصته الاسطوريه ..والتى ان دلت على شىء فإنها تدل على ان ارادة الانسان بلا حدود ...وداعا ورحمك الله ...يا ...زين العابدين ...

هناك تعليق واحد: