الأحد، 13 يناير 2019

عندما باعت نفسها للشيطان



     كان قد أنهكنى العمل فى ذلك اليوم وقررت أن أسترخى بالبيت و أغلق تليفونى و إيميلي و أنفصل عن العالم قليلاً و أقضى يوماً طبيعياً , وفى المساء وبالتحديد وقت غروب الشمس فكرت بأن أتمشى على كورنيش النيل وأستمتع بهذا المشهد .
و هناك قررت حضور حفل بدار الاوبرا حيث كنت قريبه , وبالحفل جلست بجوارى سيده بالعقد الخامس من عمرها  يبدو عليها التشرذم ولكن بثياب غاليه الثمن بدت بائسه .
وفور بدأ العازفين بالموسيقى بكت متأثرة وقد أعتقدت ذلك من الموسيقي الهادئه التى كنا نستمع إليها ,فقد يبكى الناس أحيانا عند سماع شئ يؤثر بعاطفتهم .
فقدمت لها بكل لطف منديل و أخذته بعد أن تأملت بى طويلاً ومسحت دموعها دون أن تشكرنى وظلت تختلس النظر لى من وقت للآخر .
ظلت هكذا لنهايه الحفل تبكى متأثرة وتنظر إلي , وقد بدأت أتوتر من وجودها بجانبى , وبنهايه الحفل نظرت إليها قائله : يالها من أمسيه رائعه ..
فبادرتنى بالأجابه قائله : يا لكى من فتاة جميلة , تعجبنى بشرتك كثيراً , لقد كنت بمثل جمالك أيام شبابى .
فرددت مبتسمه : أدام الله عليك الصحه و العافيه, وتوجهت للخروج فوجدها تخرج ورائى .
خرجت من مبنى الاوبرا أتمشى على كورنيش النيل , فوجدتها تقولى لى : إن لم أضايقك هل لى أن امشى معك قليلا ؟؟
إبتمست لها ووقفت على كورنيش النيل أتأمل النيل وأستمتع بهوائه العليل , ووقفت هى الأخرى بجانبى تتحدث ......
أخبرتنى أنها كانت ٍتعمل صحفيه منذ أكثر من 20 عاماً الصحافه راسلت صحف دوليه ومحليه كثيرة  لم يكن حلمها ولكنها كانت شابه جميله ذكيه ... خدعها ذكائها ..أخبرتها بأنها لازالت شابه وتتمتع بكثير من الجمال وأن الجمال جمال الروح .
فضحكت وهى شارده الذهن : ألازالت شابه ؟! هل أنا فعلاً جميله ؟!
ضحكت وقررت أتركها وامشى فأنا بالاخير لا اعلم عنها شيئاً , فأستاذنت منها أن الوقت قد تأخر وقد حان موعد عودتى .
فوجدتها تطلب مني ان اسمح لها بالمشى معى فضولى سمح لها فوافقت , سيقتلنى الفضول يوماً ما , حاولت تتعرف علي وتفتح مجال للحوار معى أعطيتها إسماَ مزيفاً لى ومكان عمل غير عملى فأنا بالأخير لم أكن لأثق بها .
إلا انها بدت تائهه مشت بجوارى تقص لي حكايات وكأنها تعرفنى وأعطيت نفسى فرصه للاستماع لها بصمت دون أن أعقب .....
عندما تجد شخص غريب يتحدث معك عن نفسه  أعلم إنه تألم كثيراً وفقد الكثير .... طلبت منها ان نجلس بالكورنيش
صمتت قليلاً وقالت : طبعا تعتقدين إننى مجنونه ؟
ردت : بالطبع لا ولما سأعتقد ذلك ؟؟
السيده : لانى اقتحمت هدوئك .
لا أبداً يبدوا ان الحياه اخذت منك الكثير وبالرغم من تاخر الوقت وعدم معرفتى بك الا اني هنا بجوارك من المجنون إذاً ؟؟
ضحكت السيده قائله : يبدوا اننا جمعيا مجنانين هنا .
قاطعتها : نحتاج للجنون من وقت لآخر كي نبقى على قيد الحياه , الجنون يُحيني أحيانا.
نظرت الى هائمه أتعلمين لقد كنت شابه بمثل جمالك ورشاقتك , كنت احب الحياة و أقبل عليها ,إقبال يحسدنى الجميع عليه , اما الآن فأنا تائهه وكأن قطارالحياه فاتنى أشعر بالفراغ و الوحده سأجن يوماً ما  .
أشفق عليها قائله : لماذا ؟ انتى صحفيه وبالطبع لكى الكثير من العلاقات .
تضحك ساخرة : كلها علاقات مفتعله لخدمه الوطن , او هكذا توهمت ..
أممممم .....
تتابع : انا الآن بالخامسه و الخمسين من عمرى أنصحك يا بُنيتى لا تبيعى نفسك للشيطان .
أقاطعها : ومن هو الشيطان ؟
حُراس هذا الوطن .
ترتسم على وجهى الكثير من علامات الاستفهام لتشرد بذهنها وكأنها تري بذاكرتها الماضي : لقد كنت شابه جميله ذكيه رشيقه رياضيه يحسدنى الجميع , طلب مني شيطان من حراس الوطن أن أشى له بسر بعض الاصدقاء لخطورتهم على الامن القومى للبلد , وبالطبع سهل إستغلال حماس الشباب لانهم سريعوا الامل , فأفشيت له سرهم وكان من ضمنهم حبى الاول , وتم القبض على الجميع .
ظننت وقتها إنى أخدم البلد ولكن ضميرى ظل يؤنبنى وتعبت ولم يكن هناك مفر من الرجوع , أخذت مكافأة ماليه مغريه وفرحت وأعتبرت نفسى أنجزت شئ وبدأت أتناسى ما حدث و أكمل حياتى , وعندما كنت أزور اصدقائى كنت أتألم بصمت كان هناك جرح بقلبى لم يندمل الى الآن .
أقاطعها : معذره سيدتى لا أفهم شئياً
دعينى أُكمل انا اريد التحدث فقط ولا ضرورة لان تفهمى .
شعرت بالاحراج وههمت بالمشى فتابعت : طلب منى  الشيطان مهام أخرى ومكافآت أخرى ووعد بأحلام جديده ,كنت طموحه بما يكفى لإستغلال طموحى , بدأت الامانى تتحقق سريعاً ولكن على حساب الكثيرين كنت أظن نفسى أجنى شيئاً ولكنى كنت أخسر وانا لا ادري , أنهيت دراستى بكليه الآداب و سافرت للعمل بالخارج وأعتقدت أن الحياه تبتسم لى ولكنها كانت ضحكات الشيطان .
وعندما قررت الاستقرار بحياتى و الزواج كان عليهم مشاركتى بإختيار زوجي لضمان استمرار عملى معهم ووافقت كنت منهكه وظننت إنى سأستقر ولكن .....
تتنهد السيده تنهيدات مؤلمه : سألت صديق لى يوماً هل الوطنيه أمر مغزى ؟؟
أجاب : فأجاب لا ولكن أمر سهل إستغلاله .
وتزوجت كما ارادوا ذلك عشت بالفعل ايام سعيده ولكنها كانت مجرد ايام ولم أنُجب ....
بدأت السيده تتوتر وأخرجت علبه سجائر من حقيبتها الخاصه وبدأت تُدخن , علبه سجائرها كانت سمراء اللون نوع لم أراه من قبل .
 ولم تعزم علي بل قالت : لازالتى صغيرة على التدخين ولا أنصحك بذلك , فالمُدخنين غالباً من البائسين أمثالى ....
وتابعت , بدأت حياتى تفقد معانها مع الكثير من التحكمات التى لا نهايه لها وكله باسم الوطن , وانفصلت عن زوجى وأصبحت أشعر بالوحده أكثر مما ينبغى وأنشغلت بأعمالى الصحفيه وحوارتى ونجاحاتى كنت ناجحه جداً وحزينه بنفس الوقت , كنت أخشى الوحده وأصبحت أخشى الحياه .
وها أنا الآن مع فتاه غريبه لا أعرف عنها أي شئ , كنت أعلم أنها بائسه .....
اتسال : اليس لديكى اقرباء او اخوات ؟؟
ترد بضحكه ساخرة : لقد بعدت عن الجميع حمايه لهم .
وكيف تقضين وقتك الآن ؟
أنا على علاقات كثيرة باسم الوطنيه , علاقات برجال طبعاً , أصبحت مهمتى الآن انا اوقع الرجال بفخ جمالى .
بكل إندهاش : نعم ؟!
لا تتعجبى فالوطنيه تحتم علينا فعل الكثير , لقد فعلت ما لن تستطيع أذنيك إحتمال سماعه .
لم أتسأل وطلبت منها بكل لطف أن أستأذن , فإذا بالفجر يؤذن , فطلبت منها الصلاة  معى بأقرب مسجد ...
فبرقت عينها قائله : اتعلمين لقد نسيت كيف تكون الصلاة , أخشي ان لن يتقبلنى الله .
ربت على كتفيها لأطمئنها قائله : وقد يكون الله بإنتظارك, دعينا لا نتأخر أكثر من ذلك .
ودخلنا المسجد وصلينا الفجر ولم تقم من سجودها كانت سجدتها الاخيرة , فتركتها بالمسجد وخرجت دون أن التفت ورائى ودعيت الله ان يرحمها ولكنى أخذت حقيبتها معى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق