اليوم الثاني لي بالجنوب
المركب تُبحر بالنِّيل وأنا بدأتُ أشعر بالملل والإرهاق. هبطتُ إلى سطح السفينة كي أرى المنظر من الأسفل أو رُبّما أتعرَّف على الناس.
كان هناك فتًى نحيف طويل القامة بالاستقبال مُبتسمًا طول الوقت، يتحدّث بلُطف وهدوء معَ الجميع, رآني حائِرة بلا هدف فسألَني إنْ كُنتُ بحاجة إلى مساعدة.
فأخبرْتُه: نعم، أُريدُ كلمة السرِّ للإنترنت، لم أستطِعِ الحياة بعيدًا عن النت وهو القرار الذي كُنتُ أخذْتُه وأنا أُعِدُّ حقائبي بطريقي لشمال وجنوب.
على ما يبدو كانَ هناك مشكلة فطلبَ مساعده مِن المهندس ملاك، مهندس الاتِّصالات بالسفينة.
أتى المهندس ملاك، رجل هادئ أنيق, هندام ممتلئ, يَحمل وجهُه الهموم ورغم ذلك يبتسم بصعوبة وكأنّه لا يمتلك الابتسام, وبعد مُحاولات أخبرَنا أنَّ الإنترنت لا يَعمل بشكل جيِّد، ويبدو أنَّ هناك مُشكلة، ولكنِّي حمدتُ الله أنّه أَمْرٌ يُساعدني على تنفيذ قراري.
ابتسمتُ له قائلة: لا عليك يا بشمهندس. مددْتُ يدي؛ لأُلقيَ التحيّة وأُعرِّفه بنفسي: بالمُناسبة أنا إسراء أبو زيد -وقتها كُنتُ أعمل صحفيّة قبل أنْ أتركَ عملي بأغسطس 2015- حياتي لم تَعُدْ كما كانَتْ بعد شمال وجنوب نضجتُ بهذه الأيّام حوالي 50 عامًا.
ابتسم لي هو أيضًا وَرَحَّبَ بي وأخبرْتُه عن حُبِّي لأهل الصعيد الذين أشعُر دائمًا في وسطهم بدِفء العائلة وكرم الضيافة.
وتبادَلْنا الحديثَ عن الرحلة حيثُ سألَني عن طبيعتها ودَوْرِنا وما نفعلُه فشرحتُ له…
عَمُّ ملاك رجل هادئ يفتقد للكلام، يحمل الكثير مِن الهموم، عيناهُ بهما الكثير, انشغل عَمُّ ملاك بعمله وهكذا نادَيْتُه بعد أوّل حديث لنا وانصرفت بعدما تعارفْنا وأراني مكتبه حال احتجتُ شيئًا, وأصبح شغلي الشاغل, فأنا بارعة بقراءة القصص بوجوه الناس وهو يحمل قصّة, وعزمتُ ألّا أعود دون معرفة ذلك.
ولطبيعة برنامج شمال وجنوب كانتْ أيّامنا مُمتلئة ومُكتظّة بالكثير والكثير, لم يكنْ لديّ وقت إلّا بعد الساعة التاسعة مساءً لأهبط للاستقبال بالسفينة أسأل عنه, فيُخبرني فتى الاستقبال -على ما أتذكّر اسمه إيميل- أنّه غادر السفينة كما يفعل دائمًا ويعود بالصباح فهو لا يبيتُ بها.
مرَّ اليوم الثالث وكذلك الرابع ولم أرَهُ، فنسيتُه، وظننتُ أنِّي لن أراه ثانية.
وفي اليوم الخامس كان لديّ بعض الوقت فهبطتُ للاستقبال وجلستُ أتأمَّل النِّيل.
فقطعَ خلوتي صديقي المُخرج إبراهيم، جلَسْنا بالانتريه تبادلْنا الأحاديث حول الكتابة والإخراج وأمور خاصّة بالفنّانين، وعرضتُ عليه قصّتي “لم يكن اختياري” كي يُنفِّذها فيلمًا, كانتْ بحقيبتي بالفلاش ميموري وساعَدَنا إيميل في الحصول على نُسخ مطبوعة منها, وتركْتُه يقرؤُها, حتّى لا يشعر بالإحراج منِّي إذا لم تَرُقْ له.
قرأَ إبراهيم القصَّة أسرع مِمّا تَخيَّلْتُ وبحثَ عنِّي في السفينة، فقد راقتْ له ويُريدُ إخراجها كمشروع نُقدِّمه لشمال وجنوب من ضمن المشاريع.
وبدأْنا التنفيذ، بَحَثْنا عن سيناريست كي يُحوِّلَها لسيناريو, العمل بسرعة البرق فلم يكن لدينا وقت.
ومِن ثمَّ بدأتْ رحلة البحث عن المُمثِّلين وأصبح شُغلي الشاغل مُمثِّلو القصّة، وكان أمْرًا غايةً في الإرهاق, عشْنا كمُخبرينَ ليوم كامل نتأمَّل وجوه الزملاء ورُدود أفعالهم, واستسْلمْنا… لا أحدَ يصلح، ومَن نختاره أو نختارها لا يُوافق, الجميع مُنشغل بمشروعاتِه ونَسيتُ كلَّ شيء, اختار إبراهيم المُخرج والمُصوِّر ومُساعديه, وبدأْنا نتناقش حول إمكانيّة تنفيذها جِدِّيًّا أم لا؟
يتبع…
المركب تُبحر بالنِّيل وأنا بدأتُ أشعر بالملل والإرهاق. هبطتُ إلى سطح السفينة كي أرى المنظر من الأسفل أو رُبّما أتعرَّف على الناس.
كان هناك فتًى نحيف طويل القامة بالاستقبال مُبتسمًا طول الوقت، يتحدّث بلُطف وهدوء معَ الجميع, رآني حائِرة بلا هدف فسألَني إنْ كُنتُ بحاجة إلى مساعدة.
فأخبرْتُه: نعم، أُريدُ كلمة السرِّ للإنترنت، لم أستطِعِ الحياة بعيدًا عن النت وهو القرار الذي كُنتُ أخذْتُه وأنا أُعِدُّ حقائبي بطريقي لشمال وجنوب.
على ما يبدو كانَ هناك مشكلة فطلبَ مساعده مِن المهندس ملاك، مهندس الاتِّصالات بالسفينة.
أتى المهندس ملاك، رجل هادئ أنيق, هندام ممتلئ, يَحمل وجهُه الهموم ورغم ذلك يبتسم بصعوبة وكأنّه لا يمتلك الابتسام, وبعد مُحاولات أخبرَنا أنَّ الإنترنت لا يَعمل بشكل جيِّد، ويبدو أنَّ هناك مُشكلة، ولكنِّي حمدتُ الله أنّه أَمْرٌ يُساعدني على تنفيذ قراري.
ابتسمتُ له قائلة: لا عليك يا بشمهندس. مددْتُ يدي؛ لأُلقيَ التحيّة وأُعرِّفه بنفسي: بالمُناسبة أنا إسراء أبو زيد -وقتها كُنتُ أعمل صحفيّة قبل أنْ أتركَ عملي بأغسطس 2015- حياتي لم تَعُدْ كما كانَتْ بعد شمال وجنوب نضجتُ بهذه الأيّام حوالي 50 عامًا.
ابتسم لي هو أيضًا وَرَحَّبَ بي وأخبرْتُه عن حُبِّي لأهل الصعيد الذين أشعُر دائمًا في وسطهم بدِفء العائلة وكرم الضيافة.
وتبادَلْنا الحديثَ عن الرحلة حيثُ سألَني عن طبيعتها ودَوْرِنا وما نفعلُه فشرحتُ له…
عَمُّ ملاك رجل هادئ يفتقد للكلام، يحمل الكثير مِن الهموم، عيناهُ بهما الكثير, انشغل عَمُّ ملاك بعمله وهكذا نادَيْتُه بعد أوّل حديث لنا وانصرفت بعدما تعارفْنا وأراني مكتبه حال احتجتُ شيئًا, وأصبح شغلي الشاغل, فأنا بارعة بقراءة القصص بوجوه الناس وهو يحمل قصّة, وعزمتُ ألّا أعود دون معرفة ذلك.
ولطبيعة برنامج شمال وجنوب كانتْ أيّامنا مُمتلئة ومُكتظّة بالكثير والكثير, لم يكنْ لديّ وقت إلّا بعد الساعة التاسعة مساءً لأهبط للاستقبال بالسفينة أسأل عنه, فيُخبرني فتى الاستقبال -على ما أتذكّر اسمه إيميل- أنّه غادر السفينة كما يفعل دائمًا ويعود بالصباح فهو لا يبيتُ بها.
مرَّ اليوم الثالث وكذلك الرابع ولم أرَهُ، فنسيتُه، وظننتُ أنِّي لن أراه ثانية.
وفي اليوم الخامس كان لديّ بعض الوقت فهبطتُ للاستقبال وجلستُ أتأمَّل النِّيل.
فقطعَ خلوتي صديقي المُخرج إبراهيم، جلَسْنا بالانتريه تبادلْنا الأحاديث حول الكتابة والإخراج وأمور خاصّة بالفنّانين، وعرضتُ عليه قصّتي “لم يكن اختياري” كي يُنفِّذها فيلمًا, كانتْ بحقيبتي بالفلاش ميموري وساعَدَنا إيميل في الحصول على نُسخ مطبوعة منها, وتركْتُه يقرؤُها, حتّى لا يشعر بالإحراج منِّي إذا لم تَرُقْ له.
قرأَ إبراهيم القصَّة أسرع مِمّا تَخيَّلْتُ وبحثَ عنِّي في السفينة، فقد راقتْ له ويُريدُ إخراجها كمشروع نُقدِّمه لشمال وجنوب من ضمن المشاريع.
وبدأْنا التنفيذ، بَحَثْنا عن سيناريست كي يُحوِّلَها لسيناريو, العمل بسرعة البرق فلم يكن لدينا وقت.
ومِن ثمَّ بدأتْ رحلة البحث عن المُمثِّلين وأصبح شُغلي الشاغل مُمثِّلو القصّة، وكان أمْرًا غايةً في الإرهاق, عشْنا كمُخبرينَ ليوم كامل نتأمَّل وجوه الزملاء ورُدود أفعالهم, واستسْلمْنا… لا أحدَ يصلح، ومَن نختاره أو نختارها لا يُوافق, الجميع مُنشغل بمشروعاتِه ونَسيتُ كلَّ شيء, اختار إبراهيم المُخرج والمُصوِّر ومُساعديه, وبدأْنا نتناقش حول إمكانيّة تنفيذها جِدِّيًّا أم لا؟
يتبع…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق